الأحد، 29 أغسطس 2010

أشهى لحوم العصر===لحوم البشر!!!!!!!!!!!!!

لا تطيب مجالس الناس اليومَ إلا بتناول وجبةٍ دسمة من لحم أحد المسلمين، ينهش الجالسون في لحم هذا الشخص،كلٌّ منهم يتناول قطعةً منه، فلا يشبعون ولا يملُّون من تَكرار تناولها كُلَّما اجتمعوا، حتَّى أصبحت رائحة الغِيبة المنتنة تفوح من المجالس.
فإلى مَن أدمنواأكل لحوم البشر أقول:إنَّ الغيبة مرض خطير،وداء فتاك،وسلوك يُفرق بين الأحباب، وقد نهانا الله - تعالى - عن الغيبة؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12].
والغيبة كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه)،قيل:يا رسول الله، إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه)،وما يكرهه الإنسان يتناول خَلْقَه وخُلُقه ونسبه، وكل ما يخصه.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قلت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: حسبك من صفية كذا وكذا – تعني: أنَّها قصيرة - فقال النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماءِ البحر لمزجته))؛ أي: خالطته مُخالطة يتغيَّر بها طعمه أو ريحه؛ لشدَّة قبحها.
والغيبة من كبائرِ الذُّنوب، وهي مُحرمة بإجماع المسلمين؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كل المسلم على المسلم حرام: ماله وعرضه ودمه)).
وعن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ مِن أرْبَى الرِّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ)).
والقائل والمستمع للغيبة سواء؛ قال عتبة بن أبي سفيان لابنه عمرو: "يا بني، نزِّه نفسك عن الخنا، كما تُنَزِّه لسانك عن البذا؛ فإنَّ المستمع شريك القائل".
لذلك لا تعجب حين تَجد القرآن الكريم يصوِّر الغيبة في صورة مُنفرة،تتقزز منهاالنفوس،وتنبو عنها الأذواق؛ قال تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
فشبَّه أكل لحمه ميتًا المكروه للنُّفُوس غاية الكراهة باغتيابه، فكماأنَّ الناس يكرهون أكلَ لحمه،وخصوصًاإذا كان ميتًا، فكذلك فليكرهواغيبته،وأكل لحمه حيًّا؛ قال السعدي - رحمه الله -: "وفي هذه الآية دليل على التحذير الشديد من الغيبة، وأنَّ الغيبة من الكبائر؛ لأنَّ الله شبههابأكل لحم الميت، وذلك من الكبائر". اهـ.
فمثل المغتاب كمثل الكلب، فالكلبُ هو الحيوان الوحيد الذي يأكلُ لحمَ أخيه بعد موته.والمغتاب يُعذب في قبره بأن يخمش وجهه بأظفاره،حتَّى يسيل منه الدَّم، ففي ليلة المعراج مرَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقال: ((من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم)).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ)).
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-:"عليكم بذكر الله؛ فإنَّه شفاء،وإيَّاكم وذكرَ الناس فإنه داء".
وقال الحسن البصري - رحمه اللَّه -: "والله، للغيبة أسرع في دين الرَّجل من الأكِلَةِ في الجسد".
وعن الحسن البصري - رحمه اللَّه - أنَّ رجلاً قال له: إنَّك تغتابني فقال: ما بلغَ قدرُك عندي أنْ أحكِّمَكَ في حسناتي.
وقال ابن المبارك - رحمه اللَّه -: "لو كنتُ مُغتابًا أحدًا، لاغتبتُ والديَّ؛ لأنَّهما أحقُّ بحسناتي".حصائد اللسان هلاك الإنسانمما لا شكَّ فيه أن اللسان هو الذي يقود إلى هذه العظائم من الآثام والذُّنوب.
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِىِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَخْبِرْنِى بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِى الْجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِى مِنَ النَّارِ، قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ - ثُمَّ قَالَ -: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ))، ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]، حَتَّى بَلَغَ {يَعْمَلُونَ}، ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟))، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ وَعَمُودُهُ: الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ: الْجِهَادُ))، ثُمَّ قَالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))، فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا))، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ، فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ - أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)).
وحصائدُ اللسان: أقواله المحرمة،وهي أنواع كثيرة، فمنها ما يُوصل إلى الكفر، ومنها دون ذلك، فالاستهزاء بالله ودينه، وكتابه ورسله وآياته، وعباده الصالحين فيما فعلوا من عبادة ربِّهم، كلُّ هذا كُفر بالله، ومخرج عن الإيمان، وهو من حصائد اللِّسان، والكذب والغيبة والنميمة، والفحش والسب واللعن، كُلُّ هذا من حصائد اللسان؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله ليبغض الفاحش البذيء)).
قال الحافظ ابن رجب: "والمرادُ بحصائد الألسنة: جزاءُ الكلام المحرَّم وعقوباته، فإنَّ الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثُمَّ يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيرًا من قولٍ أو عملٍ، حَصَد الكرامة، ومن زرع شرًّا من قولٍ أو فعل، حَصَد النَّدامة، وهذا يدلُّ على أنَّ كف اللسان وضبطه وحبسَه هو أصل الخير كلِّه، وأنَّ من ملك لسانه، قد ملك أمره وأحكمه وضبطه". اهـ.
وجاء عند الطبراني وحسنه الألباني عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عليك بطول الصَّمت، إلاَّ مِن خير؛ فإنَّه مَطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك)).
فيَجبُ على كل مسلم أنْ يصونَ لسانه ويحفظه، وألاَّ يطلق له العنان، فلا يسمح لنفسه أن يتكلم بغير ما هو حق وخير ومعروف، وأن يكفَّ لسانه عما هو باطل وشر ومنكر؛ قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت)).
قال النَّووي في "الأذكار": فهذا الحديث المتفق على صحته نصٌّ صريح في أنَّه لا ينبغي أن يتكلم إلاَّ إذا كان الكلامُ خيرًا، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكَّ في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.
قال الإِمام الشافعي - رحمه اللَّه -: إذا أراد الكلام، فعليه أنْ يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة، تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر. اهـ.
وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسولَ اللّه، ما النجاة؟ قال: ((أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ)).
وعن سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ)).
فالمؤمنُ الصادق الإيمان بالله ولقائه لا يتكلم إلاَّ إذا كان الكلام خيرًا، أمَّا إذا كان الكلام شرًّا فلا يتكلم.فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ العبدَ ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات،وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم)).وقد سُئل - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ المسلمين خيرٌ؟ قال: ((مَن سَلِمَ المُسلمون من لسانه ويده)) وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنَّة لا يأمن جاره بوائقه)).
وقدأخذ ابنُ عباس بلسانه،وقال له:"اسكت تغنم، واسكت عن سوءٍ تسلم، وإلاَّ فاعلم أنك ستندم"،وفي روايةعن أبي وائلٍ: أن عبدالله - رضي الله عنه - ارتقى الصَّفا، فأخذَ بلسانِه فقال: "يا لسانُ، قُلْ خيرًا تَغْنَمْ، واسْكُتْ عن شرٍّ تسْلَم، مِن قَبْلِ أنْ تَنْدَمَ"، ثُمَّ قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((أكثرُ خطايا ابنِ آدَم في لسانه)).وكان ابنُ مسعود يقول: "والله الذي لا إله إلا هو،لا يوجد في هذا الكون شيء أحق بطول حبس من لسان".
وقال الإِمامُ الشافعيُّ - رحمه اللَّه - لصاحبه الرَّبِيع: "يا ربيعُ، لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة، ملكتكَ ولم تملكها".لذلك ما من يوم تصبح الأعضاءإلاَّ وهي تُخاطب اللسان، وتقول له: "اتقِّ الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا".
قال ابنُ القيم - رحمه الله -: "ومن العجب أنَّ الإنسانَ يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزِّنا، والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتَّى ترى الرجل يُشار إليه بالدِّين والزُّهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخطِ الله لا يلقي لها بالاً، يزل بالكلمة الواحدة منها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وكم ترى من رجلٍ مُتورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول". اهـ.
احْفَظْ لَسَانَكَ أيُّهَا الإِنْسَانُ *** لاَ يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ
كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قَتِيلِ لِسَانِهِ *** قَدْ كَانَ هَابَ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ
كفارة الغِيبة
الغيبة من الكبائر، وليس لها كفارة إلاَّ التوبة النصوح، وهي من حقوق الآدميين، فلا تصح التوبة منها إلاَّ بأربعة شروط، هي:
1- الإقلاع عنها في الحال.
2 - الندم على ما مضى منك
3- العزم على ألاَّ تعود
4- استسماح من اغتبته إجمالاً أو تفصيلاً، وإن لم تستطع، أو كان قد مات أو غاب، تكثر له من الدعاء والاستغفار.
هل يجب على صاحب الحق أن يُسامح؟
لا يَجب عليه ذلك، ولكن يُستحب له، فإنْ شاءَ سامح، وإن شاء لم يُسامح. وكان بعض السَّلف لا يُحلل أحدًا اغتابه.
قال سعيد بن المسيب - رحمه الله -: "لا أحلل من ظلمني".
وقال ابن سيرين - رحمه الله -: "إنِّي لم أحرمها عليه، فأحللها له، إنَّ اللهَ حرم الغيبة عليه، وما كنت لأحلل ما حرَّم الله أبدًا".
ولا شكَّ أنَّ العفو أفضلُ، فهو سبيل المحسنين، فكن كبيرًا وانس الماضي، فالحياة أقصر من أن ندنسها بالحقد والضَّغينة.قال النووي في "الأذكار": يُستحبُّ لصاحب الغِيبة أن يبرئه منها، ولا يجبُ عليه ذلك؛ لأنه تبرُّعٌ وإسقاطُ حقٍّ، فكان إلى خِيرته؛ ولكن يُستحبُّ له استحبابًا متأكدًا الإِبراء؛ ليُخلِّصَ أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب اللَّه - تعالى - في العفو ومَحبة اللَّه - سبحانه وتعالى - قال اللَّه - تعالى -: {وَالكاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وقال تعالى: {وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِن ذلكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمُورِ} [الشورى: 43]. اهـ.
قِيلَ لِي قَدْ أَسَاءَ فِيكَ فُلانٌ *** ومُقَامُ الْفَتَى عَلَى الذُّلِّ عَار
قُلْتُ قَدْ جَاءَنَا وَأَحْدَثَ عُذْرًا *** دِيَةُ الذَّنْبِ عِنْدَنَا الاعْتَذَارُ
أسباب الغيبة وبواعثها
قال الغزالي - رحمه الله -: للغيبة أسباب وبواعث، وفيما يلي خُلاصتها:- شفاء المغتاب غَيظَهُ بذكر مساوئ مَن يغتابه.- مجاملة الأقران والرِّفاق، ومُشاركتهم فيما يَخوضون فيه من الغيبة. - ظن المغتاب في غيره ظنًّا سيئًا مدعاة إلى الغيبة. - أن يبرئ المغتاب نفسَه من شيء، وينسبه إلى غيره، أو يذكر غيره بأنَّه مُشارك له. - رفع النَّفس وتزكيتها بتنقيص الغَيْر. - حسد من يثني عليه النَّاس ويذكرونه بخير. - الاستهزاء والسخرية وتحقير الآخرين.الحالات التي تجوز فيها الغيبةهناك صُور استثناها علماءالإسلام من الغيبة، ويَجب الاقتصار في هذاالاستثناءعلى الضرورة،ولا إثم في ذلك، وأكثرُ هذه الأسباب مُجمع على جواز الغيبة بها.
قال النووي:اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرمة، فإنَّها تباحُ في أحوال للمصلحة؛ وعدَّد هذه الأسباب:
أولاً: التظلُّم؛ أي: إنَّه يجوزُ للمتظلم أنْ يقولَ: فَعَل بي فلان كذا وكذا لمن يتظلم إليه.
ثانيًا: يجوز في حالة الاستعانة في تغيير المنكر وردِّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه.
ثالثًا: الاستفتاء؛ بمعنى: أنْ يذهبَ المستفتي إلى المفتي، فيقول: لقد ظلمني فلان بكذا أو كذا، فماذا أفعلْ لرد الظُّلم عن نفسي، والأسلم التعريض بأنْ يقولَ: ما قولك في رجل ظلمه أخوه،وإن كان التعيين مُباحًا بقدر الحاجة،والدليل على ذلك: أنَّ هند زوجة أبي سفيان شكَت للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ سفيان رجل شحيح لا يعطيها ما يَكفيها وولدها، فهل تأخذ منه بغير علمه، فأذن لها النبيُّ أن تأخذ بالمعروف، فلأن النبيَّ لم يزجرْها فلا يُعدُّ ذلك غِيبة.
رابعًا: تحذير المسلمين من الوقوع في أيِّ شر، كأن يقول فلان مبتدع، وذلك للنصح، وكذلك جرح المجروحين من الرُّواة للحديث، وكذلك المشاورة في مصاهرة إنسان أو مُحاورته.
خامسًا: تجوز غيبة الفاسق الذي اشتهر بفسقه، كالمجاهر بشرب الخمر؛ قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "ليس لفاجر حُرمة"؛ وأراد به المجاهر بفسقه دون المستتر.وقال الصلت بن طريف: قلت للحسن: الرجل الفاسق المعلن بفجوره، ذكري له بما فيه غيبة؟ قال الحسن: لا، ولا كرامة.
سادسًا: التعريف، فإذا كان معروفًا بلقب؛ كالأعمش والأعرج ونحوها، جاز تعريفه بها، ويحرم ذكره بها تنقصًا، ولو أمكنَ التعريفُ بغيره كان أَوْلى؛ ولذلك يقال للأعمى: البصير؛ عدولاً عن اسم النقص. اهـ.
وقال ابن كثير: الغيبة مُحرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلاَّ ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنَّصيحة؛ كقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: ((ائذنوا له، بئس أخو العشيرة))، وكقوله لفاطمة بنت قيس - وقد خطبها مُعاوية وأبو الجهم -: ((أما معاوية فصعلوك، وأمَّا أبو الجهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه))، وكذا ما جرى مجرى ذلك. اهـ
الذَّمُّ لَيْسَ بِغِيبَةٍ فِي سِتَّةٍ *** مُتَظَلِّمٍ وَمُعَرِّفٍ وَمُحَذِّرِ
وَلِمُظْهِرٍ فِسْقًا وَمُسْتَفْتٍ وَمَنْ *** طَلَبَ الْإِعَانَةَ فِي إِزَالَةِ مُنْكَرِ
لحوم العلماء مسمومة
ومن أشد أنواع الغيبة: الخوض في أعراض العلماء، فعلماء المسلمين لهم احترامهم ومكانتهم، وينبغي التعامُل معهم بكل أدب واحترام، فالطَّعن في أهل العلم والانتقاص منهم غير جائز شرعًا، ولا يحقُّ لأحدٍ مهما كان أنْ يتناول العلماء بلسانه، وإنْ صدرت عنهم آراء مُجانبة للحق والصواب، فالخطأ قد لا ينقص من مَنزلة العالم عند الله، ولا يُحل لنا دمه ولا عرضه، وكل يؤخذ منه ويُرد عليه إلا المعصوم - صلَّى الله عليه وسلَّم.قال الحافظ ابن عساكر: "اعلم يا أخي - وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني وإيَّاك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته - أنَّ لحومَ العلماء مَسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأنَّ من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب"؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. اهـ.وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني في مُحاضرة له بعنوان: "عظم ذنب من تنقَّص أحدًا من الأنبياء": "لقد اشتهر عند العلماء والعامَّة قولٌ، وهو: "إنَّ لحوم العلماء مسمومة"، ومعنى هذا: أنه إذا حَرُم على الإنسان أنْ يغتابَ أخاه المسلم، أو يأكل لحمه، فلا شك أنَّ حرمة العالم أجلُّ من حرمة المسلم مطلقًا؛ لأنَّه جمع الإسلام والعلم، فهو يزيد على الرجل العامي بدرجة العلم، ولأن منصبَ العلماء بين الناس هو كمنصب الرَّسول؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ((إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، ولكن ورَّثوا العلم)).
والعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم الذين يبلغون رسالاتِ الله، فيجبُ أنْ تصانَ أعراضهم؛ لأنَّ النيلَ من عِرْض العالم قد يضر بدعوته؛ لذلك كان لحمه مسمومًا، وقلَّما تجد رجلاً طعن فيه أو نالَ منه إلاَّ هتكه الله - عزَّ وجل". اهـ.
وأما بيان خطأ العالم - إن أخطأ - فهذه مسألة تزلُّ فيها الأقدام، فقد تختلط الغيبة ببيان الحقِّ، فعلى طالبِ العلم أنْ يبين الخطأ دونما تجاوز، وذلك بالتزام أدب الرَّدِّ، فإن العلماء لم يزل يرد بعضُهم على بعض وكتبهم مملوءة بذلك.مجالس الغيبةالواجب على الإنسان إذا سمع أحدًا يغتاب غيره أنْ ينكرَ عليه وينصحه، ويخبره أنَّ هذا لا يجوز، وأن الغيبة محرمة؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من ردَّ عن عرض أخيه بالغيب، رَدَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة))؛ ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما من امرئ يخذل مُسلمًا في موضع تنتهك فيه حُرمته، وينتقص فيه من عِرضه إلاَّ خَذَلَه الله في موضع يُحب فيه نصره))، ولقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن حَمَى مؤمنًا من مُنافق - أراه قال -: بعث الله - تعالى - مَلَكًا يَحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومَن رمى مسلمًا بشيء يريد شيْنه، حبسه الله على جِسْرِ جهنم حتَّى يخرج مما قال))،.
وقد دافع مُعاذ بن جبل عن كعب بن مالك حين ذمَّه رجل من بني سلمة في مجلس رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأقر النبي فعل معاذ.
أمَّا إذا لم يستطعْ الإنسانُ الإنكارَ، أو لم يستجب له أحد، فيجب عليه في هذه الحالة مفارقة المغتاب وعدم الجلوس معه؛ وذلك لقول الله - تعالى -:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقوله - عز وجل -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]، وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع، فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
روى الأوزاعي أنَّ عمر بن عبدالعزيز قال لجلسائه: "مَن صحبني مِنكم، فَليصحبني بخمس خصال: يدلُّني من العدل إلى ما لا أهتدي إليه، ويكون لي على الخير عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويُؤدي الأمانةَ التي حملها بيني وبين الناس، فإذا كان ذلك فحيَّهلا، وإلاَّ فقد خرج عن صحبتي والدخول عليّ".
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يبلِّغني أحد عن أحد من أصحابي شيئًا؛ فإني أحب أن أخرج إليهم، وأنا سليم الصدر)).
قال ابنُ عباس: قال لي أبي: "إنِّي أرى أميرَ المؤمنين – يعني: عمر - يدنيك ويقرِّبك، فاحفظ عني ثلاثًا: إياك أن يجرِّب عليك كذبة، وإيَّاك أنْ تُفشي له سرًّا، وإياك أن تغتاب عنده أحدًا".
وَسَمْعَكَ صُنْ عَنْ سَمَاعِ الْقَبِيحِ *** كَصَوْنِ اللِّسَانِ عَنِ النُّطْقِ بِهْ
فَإِنَّكَ عِنْدَ سَمَاعِ الْقَبِيحِ *** شَرِيكٌ لِقَائِلِهِ فَانْتَبِهْ
من أضرار الغيبة
1 - صاحب الغيبة يعذَّب في النَّار، ويأكل النتن والقذر.
2 - ينال عقاب الله في قبره.
3 - تُذهب أنوار إيمانه وآثار إسلامه.
4 - لا يُغفر له حتى يعفو عنه المغتاب.
5 - الغيبة مِعول هدام وشر مُستطير.
6 - الغيبة تؤذي وتضر وتجلب الخصام والنفور.
7 - الغيبة مرض اجتماعي يقطع أواصرَ المحبة بين المسلمين.
8 - الغيبة دليل على خِسَّةِ المغتاب ودناءة نفسه.
علاج الغيبة
هل من دواء؟لكي تتخلص من هذا المرض الخطير، عليك بالعلم والعمل، بأنْ تعلمَ أنك ستتعرض لسخط الله - تعالى - يوم القيامة بإحباطِ عملك، وإعطائك حسناتك مَن اغتبته في الدُّنيا حتَّى تصلَ إلى درجة الإفلاس، وذلك في يوم تكون أحوج إلى حسنة واحدة تخرج بها من النار وتدخل الجنة، واسأل نفسك: هل تحب أنْ يغتابَك أحد ويستهزئ بك؟ بالطبع: لا، فعاملِ الناس بما تحب أن يعاملوك به، وإذا حدثتك نفسك باغتياب أحد المسلمين، ففتش في نفسك، فستجد فيها من العيوب أكثر مما تريد أن تقولَ عن أخيك المسلم، واستحضر ما سَبَقَ ذكره من أحاديث وأخبار في ذم الغيبة.
وقال الشاعر:
يُشَارِكُكَ الْمُغْتَابُ فِي حَسَنَاتِهِ *** وَيُعْطِيكَ أَجْرَيْ صَوْمِهِ وَصَلاَتِهِ
وَيَحْمِلُ وِزْرًا عَنْكَ ضَنَّ بِحَمْلِهِ *** عَنْ النَّجْبِ مِنْ أَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ
فَكَافِئْهُ بِالْحُسْنَى وَقُلْ رَبِّ جَازِهِ *** بِخَيْرٍ وَكَفِّرْ عَنْهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ
فَيَا أَيُّهَا الْمُغَتَابُ زِدْنِي فَإِنْ بَقِي *** ثَوَابُ صَلاَةٍ أَوْ زَكَاةٍ فَهَاتِهِ
وأخيرًا: أخي القارئ الكريم:لِمَ تعطي حسناتك لمن تغتابه، بل وتتحمل من سيِّئاته إذا فنيت حسناتك؟! فَكِّرْ جَيِّدًا، وكن بطلاً من الآن، واعزم على أن تترك مجالسَ الغِيبة فإنَّها مجالس سوء، واعْزم على أنْ تتركَ هذه العادة السيئة التي تُودي بصاحبها إلى النار، فأنا مشفق عليك من أن تكون من حَصَبِ جهنم، دع ذكر مساوئ إخوانك، واذْكُر محاسنهم، واشتغل بعيب نفسك.أسأل الله - تعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته أنْ يُطهِّر ألسنتنا وجوارحنا من كلِّ ما يكره، وأن يُجمِّلها بكل ما يحب، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

الأحد، 13 يونيو 2010

من ذكريات شيخنا العلامة عبد المحسن العباد- حفظه الله - عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

هذا مقال لفضيلة شيخنا العلامة عبد المحسن بن حمد العباد البدر حفظه الله عنونه بـ" ذكرياتي عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعد مرور نصف قرن على إنشائها" أحببتُ إيراده في هذه المدونة لما فيه من فوائد ومعلومات عن الجامعة،فيقول حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم

من ذكرياتي عن الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بعد مرور نصف قرن على إنشائها
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فهذه فقرات في ذكرياتي عن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعد مرور نصف قرن على إنشائها:
(1): بدأ عملي الوظيفي في 13/5/1379هـ بتعييني مدرساً في معهد بريدة العلمي، وكنت في تلك السنة في السنة النهائية من كلية الشريعة بالرياض، وقد اختارت إدارة الكليات والمعاهد العلمية التي سميت فيما بعد: ((جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)) بعض الطلاب للتدريس قبل التخرج للحاجة إلى ذلك مع إعطائهم الراتب الذي يعطاه المتخرج وقدره 975 ريالاً، وأظن هذا راتب المرتبة الخامسة من سلم الرواتب.
(2): في نهاية العام الدراسي عدت إلى الرياض لأداء الاختبار، فكنت الأول بحمد لله على دفعتي البالغ عددهم 80 خريجاً، وقد وافقت على العمل في التدريس قبل التخرج أملاً في السلامة من الترشيح للقضاء بعد التخرج، ولكن بعد خروج النتائج طُلب حضوري وعدد من زملائي إلى مقر رئاسة القضاة، وكان ذلك قبل إنشاء وزارة العدل، وأُخبرنا باختيارنا للعمل في القضاء وأن عملي مساعد رئيس محكمة الدمام، فذهبت في الحال وحدي إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رئيس القضاة رحمه الله وطلبت إعفائي من القضاء، وأني عملت في التدريس العام الماضي وأرغب في الاستمرار فيه، فوعدني بالنظر في ذلك وأن أراجعه بعد يومين، ولما راجعته أخبرني بموافقته على الإعفاء من القضاء على أن أعمل مدرساً في الجامعة الإسلامية في المدينة عند افتتاحها في العام القادم، فأجبت أنني على استعداد تام لهذا العمل، ولما لم تفتح الجامعة في عام (1380هـ) أسند إلي التدريس في معهد الرياض العلمي إلى حين افتتاحها.
(3): كُلِّف الشيخ محمد بن ناصر العبودي مدير معهد بريدة العلمي في عام 1380هـ بعمل الأمين العام للجامعة وجاء إلى الرياض لمراجعة الجهات المختصة إعداداً لافتتاحها، وقد تردد في ذلك العام أن يتولى إدارة الجامعة الشيخ محمد الحركان أو الشيخ عبد الله خياط رحمهما الله، وقد ذكر الشيخ عبد الله خياط رحمه الله في كتابه ((لمحات من الماضي)) (ص 235 ــ 236) صدور الموافقة السامية برقم (4649) في 30/3/1380هـ باختياره لرئاسة الجامعة الإسلامية وكان ذلك بترشيح الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وذكر اعتذاره عن ذلك، وما جرى بينه وبين الشيخ محمد بن إبراهيم وغيره من مكاتبة حتى تم إعفاؤه.
وفي أوائل عام 1381هـ عيِّن شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله نائباً لرئيس الجامعة وهو المباشر لأعمالها، ورئيسها الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله وكان يرجع إليه في بعض الأمور، وقد حضر إلى المدينة مرة لرئاسة المجلس الأعلى الاستشاري لها، وبعد وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم سنة 1389هـ عيّن رئيساً للجامعة واستمر فيها إلى أن عيّن سنة 1395هـ رئيساً لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وكانت مدة إدارته للجامعة أربع عشرة سنة.
(4): تم تأسيس الجامعة في عام 1381هـ بأمر من الملك سعود رحمه الله، وقد خصص لها في ذلك العام ميزانية قدرها ثلاثة ملايين ريال، وكان تأسيسها في المدينة لاستقدام أبناء المسلمين لتدريسهم وتفقيههم في دينهم ليعودوا إلى بلادهم بعد تخرجهم دعاة إلى الحق والهدى، كما قال الله عز وجل:{ وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
(5): لأهمية الجامعة عند الدولة كانت مؤسسة مستقلة مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء، واستمرت على ذلك إلى أكثر من عشرين سنة عندما صدر نظام موحد للجامعات فصارت كغيرها من الجامعات تابعة لوزارة التعليم العالي، وفي نظامها الذي صدر في عام 1386هـ : ((جلالة الملك هو الرئيس الأعلى للجامعة))، وفي نظامها الذي صدر في عام 1395هـ: ((يتم اختيار الرئيس الأعلى للجامعة بأمر ملكي))، وبناء على ذلك أصدر الملك خالد رحمه الله أمراً بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء رحمه الله رئيساً أعلى للجامعة، وكان يحضر للمدينة أحياناً لرئاسة المجلس الأعلى وينيب عنه في حال عدم حضوره سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وفي هذا النظام يشارك في عضوية المجلس الأعلى عشرة أعضاء من خارج المملكة يمثلون مختلف المناطق الإسلامية، ويصدر أمر ملكي بتعيينهم لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بناء على اقتراح رئيس الجامعة.
(6): كان في الجامعة عام افتتاحها كلية واحدة هي كلية الشريعة ومعهد ثانوي، وقد بدأت الدراسة فيها في يوم الأحد الموافق الثاني من جمادى الآخرة عام 1381هـ، وكان عدد طلاب الكلية خمسة وثمانين طالباً وطلاب المعهد الثانوي مائة وواحداً وسبعين طالباً.
(7): وصلت إلى المدينة في 29/4/1381هـ وعيِّنت مدرساً في الجامعة في المرتبة الثالثة راتبها 1400 ريال، وكان سلَّم الرواتب آنذاك عكس السلم في الوقت الحاضر كلما قل رقم المرتبة كثر راتبها، وكنت بحمد الله أول من ألقى درساً في كلية الشريعة في اليوم الذي بدأت فيه الدراسة، ومن الذين درَّسوا فيها عام افتتاحها شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ عطية محمد سالم رحمهما الله.
وكم كان فرحي عظيما عندما سمعت بتعيين الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في إدارة الجامعة؛ إذ يسر الله لي صحبة هذا الرجل الفاضل العظيم أربعة عشر عاماً، وقد اختارني رحمه الله عضواً في مجلس الجامعة طيلة هذه المدة.
(8): زار الملك فيصل رحمه الله الجامعة ثلاث مرات، الأولى في عام 1382هـ، والأخيرة في مطلع عام 1393هـ، وكان في زيارته يزور بعض الفصول الدراسية، وقد حضر لي في الزيارة الأولى درساً في مادة التوحيد، وفي الأخيرة درساً في مادة الفقه، والزيارة الثالثة في عام 1384هـ، وارتجل في الحفل الذي أقامته الجامعة في هذه المناسبة كلمة عظيمة، وألقيتُ بين يديه كلمة المدرسين، وقد أثبتُ الكلمتين في رسالة: ((عالم جهبذ وملك فذ: (الشيخ محمد بن إبراهيم والملك فيصل رحمهما الله))) طبعت في عام 1402هـ، وطبعت ضمن مجموع كتبي ورسائلي (6/425 ــ 446) في عام 1428هـ.
(9): عيِّنت نائباً لرئيس الجامعة بترشيح من الشيخ عبد العزيز رحمه الله وموافقة الملك فيصل رحمه الله، وصدر بذلك قرار مجلس الوزراء في 30/7/1393هـ، وكنت المسئول الثاني في الجامعة إلى حين انتقال الشيخ عبد العزيز إلى الرياض في أوائل شوال عام 1395هـ، وبعد ذلك كنت المسئول الأول إلى شوال سنة 1399هـ إذ أُعفيت من العمل بطلب مني لما طرأ على بصري من ضعف لكثرة النظر في أوراق الجامعة، وكنت قبل عملي في نيابة الجامعة أقود السيارة مدة عشر سنوات.
(10): قمت بحمد الله بالتدريس في الجامعة حتى الآن مدة خمسين سنة كملت في يوم الأحد الموافق الثاني من جمادى الآخرة هذا العام 1431هـ، وفي السنوات الست التي كنت فيها مسئولاً في الجامعة لم أتخلَّ عن إلقاء محاضرتين كل أسبوع في كلية الشريعة، وتم لي أيضاً بحمد الله وفضله في هذا الشهر إكمال تدريس كتب الحديث الستة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان البدء في تدريسها في مطلع المحرم 1406هـ، ابتداءً بصحيح مسلم ثم صحيح البخاري ثم سنن النسائي ثم سنن أبي داود ثم جامع الترمذي ثم سنن ابن ماجه الذي تم الانتهاء منه مساء السبت 15/6/1431هـ.
(11): كليات الجامعة خلال نصف هذا القرن خمس، وهي كلية الشريعة التي أُنشئت عام افتتاح الجامعة، وكلية الدعوة وأصول الدين افتتحت في عام 1386هـ، وكلية القرآن الكريم افتتحت في عام 1394هـ، وكلية اللغة العربية افتتحت في عام 1395هـ، وكلية الحديث افتتحت في عام 1396هـ، وعند افتتاح كلية القرآن الكريم طُلب من مدرس مادة القرآن في المعهد الثانوي التزويد بأسماء الذين يحفظون القرآن كاملاً لتوجيههم للدراسة في هذه الكلية، ولكونها جديدة لم يرغب الطلبة في الدراسة فيها، وبعد بدء الدراسة فيها بفترة حضر عندي في المكتب ــ وكنت مسئولاً في الجامعة ــ طلابها يطلبون إعفاءهم وتحويلهم إلى كليات أخرى، قلت لهم: أتدرون لماذا جئتم؟ إنكم جئتم تطالبون بإغلاق كلية القرآن! وشجعتهم على الاستمرار ووعدتهم بالعمل على تمييز طلبة كلية القرآن على غيرهم من طلاب الكليات الأخرى، وذلك بتخصيص مكافأة زائدة على مكافأة طلاب الكليات الأخرى، وعند إعداد جدول الأعمال لدورة المجلس الأعلى التي رأسها سمو الأمير فهد رحمه الله جُعل موضوع مكافأة طلبة كلية القرآن أول موضوع في الجدول، فتمت دراسته بحضوره وخُصص لهم مبلغ يكون زائداً على مكافأة غيرهم من الطلاب، وأناب رحمه الله سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في رئاسة بقية الجلسات.
(12): تولى إدارة الجامعة خلال نصف هذا القرن ستة، هم: شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ثم صاحب هذه الذكريات، ثم الدكتور عبد الله الزايد، ثم الدكتور عبد الله بن صالح العبيد، ثم الدكتور صالح بن عبد الله العبود، ثم الدكتور محمد بن علي العقلا.
(13): في عام 1381هـ ــ وهو العام الذي أنشئت فيه الجامعة الإسلامية بالمدينة ــ أصدر جمال عبد الناصر قرارا بتطوير الأزهر، وذلك بإحداث كليات دنيوية زاحمت كلياته المتخصصة وهي الشريعة وأصول الدين واللغة العربية، وترتب على ذلك إضعاف الأزهر شكلاً ومضموناً، أما الشكل فإن الزي الذي كان عليه الأزهريون في كلياته المتخصصة بدأ يتلاشى حتى لم يبق عليه إلا من بقي من المشايخ القدامى، وأما المضمون فإن القدرة العلمية لكلياته المتخصصة ضعفت عما كانت عليه من قبل.
وبعد مضي أكثر من عشرين سنة على تأسيس الجامعة الإسلامية سعى أحد المسئولين فيها إلى إنشاء كليات دنيوية فيها، ولكن لحسن حظه أن الملك فهد رحمه الله لم يوافق على ذلك، فقد قرر مجلس الوزراء أن تبقى الجامعة الإسلامية مقتصرة على تخصصها وأعلن ذلك في أخبار مجلس الوزراء عام 1402هـ، واستمرت الجامعة مقتصرة على كلياتها الخمس الشرعية إلى تمام نصف قرن على تأسيسها، وفي الآونة الأخيرة سعت الجامعة في عهدها الجديد لإنشاء كليات دنيوية يحصل بها مزاحمة تخصصها ويحصل بها إضعافها كما حصل للأزهر قبل نصف قرن، وقد كتبت إلى خادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله وإلى وزير التعليم العالي وإلى المسئول في الجامعة في ذلك، ومما قلته فيما كتبته لخادم الحرمين حفظه الله في 1/1/1430هـ: ((وقد مضى على إنشاء الجامعة الإسلامية نصف قرن تقريباً ظلت فيها الجامعة محافظة على تخصصها، والمأمول من مقامكم الكريم التوجيه بإبقاء الجامعة على تخصصها دون مزاحمة وأن يسلم عهدكم من إقرار ما فيه إضعاف للجامعة كما سلمت في عهود أسلافكم من ذلك، وألا يحصل للجامعة في عهدكم نظير ما حصل للأزهر في عهد جمال عبد الناصر)).
وفي أثناء إعداد هذه الذكريات فاجأت الصحف المحلية في 30/5/1431هـ (أي: عند إتمام نصف قرن على إنشائها إلا يوماً واحداً فقط) بنشر الموافقة السامية كما في صحيفة الرياض على قرارات مجلس التعليم العالي، وفي أولها افتتاح ثلاث كليات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وهي: كلية العلوم، وكلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات، وكلية الهندسة، ولا يزال الأمل عظيماً في خادم الحرمين حفظه الله بالتوجيه بإبقاء الجامعة على تخصصها وصرف النظر عن كل ما من شأنه إضعافها وخروجها عن مسارها، ومما لا شك فيه أن فائدة الحاسب الآلي في الوصول إلى المعلومات الشرعية عظيمة، ويمكن تحقيق هذه الفائدة بإيجاد دورات في الحاسب الآلي يتمكن بها طلاب الجامعة من الوصول إلى بغيتهم في مجال اختصاصهم، وأما دراسة العلوم والهندسة فإن ذلك وإن كان فيه فائدة دنيوية فإنه لا يتفق مع الأهداف التي أُنشئت من أجلها الجامعة، وهي: تفقيه أبناء المسلمين في الدين ليعودوا إلى بلادهم دعاة إلى الحق والهدى، يبصرون غيرهم في أمور دينهم، وهذه الكليات تعلِّم المهن والحرف التي لا تتفق مع ما أُسست الجامعة من أجله، وهذا النوع من الدراسة موجود في بلاد كثيرة، ويغني عن افتتاح هذه الكليات في الجامعة أن يوجَّه الطلاب السعوديون إلى جامعات المملكة التي تشتمل على مثل هذه الكليات، وقد زاد عددها على عشرين جامعة، وأما غير السعوديين الذين يُرغَب تدريسهم في هذه التخصصات فإن المناسب تخصيص منح دراسية لهم في تلك الجامعات الكثيرة في المملكة، وعندما كنت مسئولاً في الجامعة قبل ثلاثين سنة زار الجامعة الدكتور صوفي أبو طالب مدير جامعة القاهرة فسألني قائلاً: لماذا لا تفتح الجامعة كلية طب؟ فقلت: ولماذا لا تفتح جامعة القاهرة كلية شريعة؟ فقال: إن الأزهر كفانا ذلك، فقلت: وقد كفتنا الجامعات المتخصصة في الطب وغيره في المملكة ذلك.
ومن أغرب وأعجب ما جاء في قرارات مجلس التعليم العالي: ((ووافق على إنشاء قسم الشريعة بكلية القانون بجامعة الجوف وتعديل اسم الكلية إلى كلية الشريعة والقانون))؛ إذ كيف يتم في بلاد الحرمين إنشاء كلية للقانون ثم إنشاء قسم فيها للشريعة مع تعديل اسمها إلى كلية الشريعة والقانون؟! وبلاد الحرمين نزل بها الوحي وظهر فيها الإسلام والدولة السعودية قامت على تحكيم الشريعة، والقوانين الوضعية مخالفة للشريعة، فلماذا يُنشأ كلية للقانون ثم يُلحق بها قسم للشريعة وتسمى كلية الشريعة والقانون؟! وهذه التسمية للكلية تعادل اسم (كلية الحق والباطل)، والفرق بين الشريعة الإسلامية الرفيعة والقوانين الوضعية الوضيعة كالفرق بين الخالق والمخلوق؛ لأن الشريعة وحي من الخالق والقانون من عمل المخلوقين، والشريعة كاملة لأنها من عند الله، والقوانين ناقصة لأنها من وضع الناقصين، وقد كنا نتعجب من وجود كليات باسم الشريعة والقانون في غير هذه البلاد، فابتلينا بذلك كما جاء في قرارات مجلس التعليم العالي، وعسى الله أن يخلِّص هذه البلاد من هذا النوع من الدراسة والتسمية بمثل هذه التسمية ومن كل ضرر يعود على هذه البلاد حكومة وشعباً.
(14): لقي سعي الجامعة في عهدها الجديد إلى إنشاء كليات دنيوية قبولاً شديداً واهتماماً بالغاً من التغريبيين والصحفيين بل والصحفيات اللاتي ظهر ذكرهن قبل سنوات قليلة وشاركن الصحفيين في مهنة الصحافة، فأبدى الجميع إعجابهم بهذا الانفتاح للجامعة بهذا السعي لإنشاء الكليات الدنيوية وكذا اتجاهها إلى الابتعاث إلى الدول الغربية وغيرها، ولاسيما للتخصص في اللغة العربية وفي تاريخ المملكة! ولا ينتهي عجب العاقل من كون العرب السعوديين يُبتعثون للغرب للتخصص بلغة العرب ولكتابة تاريخ المملكة هناك! ونظير تخصص السعوديين باللغة العربية وتاريخ المملكة في بريطانيا مثلاً ما لو جاء بريطانيون إلى المملكة للتخصص باللغة الإنجليزية وتاريخ بريطانيا!! فإن كلاً منهما يُتعجب منه إلا أن الأول يُسعى إلى حصوله والثاني لا يُفكَّر في حصوله.
(15): من الانفتاح الجديد للجامعة حضور صحفيات إلى المؤتمر الذي عقدته الجامعة عن الإرهاب قريباً في الشهر الماضي في مكان خاص بالنساء، وقيام صحفية بمحاورة المسئول في الجامعة على هامش المؤتمر في أمور أبرزت فيها إعجابها الشديد بانفتاح الجامعة ــ وهو الانفتاح الذي تتعامل فيه الجامعة مع مختلف (الأطياف على حد تعبيرهم) حتى الصحفيات ــ ونُشر حوارها في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 10/4/2010م، وقد أبديت في رسالة إلى المسئول في الجامعة ملاحظاتي على ما جاء في الحوار حول الجامعة وحول أمور شرعية، ولا أدري لماذا تم حوار هذه الصحفية مع الخليفة الخامس للشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله؟! حتى وإن كان عن طريق شبكة المعلومات كما فهمت من المسئول ولماذا لم يكن مع صحفي؟! وما ذاك إلا من مكر المستغربين والتغريبيين للمؤسسات الشرعية والقائمين عليها، وفي التمكين من مثل هذا الحوار إعانة الفتيات على الانفلات الذي بدأ في الآونة الأخيرة في هذه البلاد والذي لا ينبغي أن يحصل من مسئول في جامعة إسلامية؛ فإن مزاولة المرأة مهنة الصحافة لا يتأتى غالباً إلا بالسفور والاختلاط المشين بالرجال والسفر بدون محرم، وكل ذلك مخالف لهدي الإسلام.
وجاء في الحوار إتاحة الجامعة للفتيات الدراسة في الكليات الدنيوية إذا تم إنشاؤها في الجامعة، فهل تمكَّن الفتيات في هذه الجامعة الإسلامية من دراسة الهندسة ليفتحن مكاتب هندسية يستقبلن فيها الرجال ويقمن بالإشراف على إنشاء العمارات وغير ذلك مما فيه سفورهن واختلاطهن بالرجال؟!
وجاء في الحوار أيضاً اتجاه الجامعة عند إنشاء كلية طب ومستشفى جامعي إلى الاستفادة من خبرات وكفاءات أجنبية من غير الديانة الإسلامية،وأنه سيكون للكليات الجديدة مقر آخر خارج حدود الحرم، ومن المعلوم أن البنيان في المدينة إذا امتد خارج حدود الحرم فإنه يدخل تحت اسم المدينة وإن لم يكن داخلاً في الحرم، وهذا التفكير بهذا الاتجاه من الغريب العجيب؛ إذ كيف يُعقل أن تجلب جامعة إسلامية إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من لا يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم؟! وهذا من زيادة مفاسد إنشاء الكليات الدنيوية في الجامعة على ما فيه إضعافها ومزاحمة اختصاصها.
(16): جاء في حوار الصحفية مع مسئول الجامعة أن الجامعة في عهدها الجديد أُحييت بعد ممات ونُفخ فيها الروح من جديد، وهذه عبارات متناهية في إعجاب هذه الصحفية بانفتاح الجامعة، يدخل تحت هذا الموت المزعوم أحسن فترة مرت بها الجامعة، وهي فترة إدارة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لها، وكانت تلك الفترة فترة شبابها وقوتها ونشاطها في مجال اختصاصها تعليماً ودعوةً ووقاراً وهيبةً، وبعد تعييني نائباً لرئيسها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بفترة مررت عليه رحمه الله في منزله قبل ذهابي إلى الجامعة، وكان الشيخ إبراهيم الحصين رحمه الله يقرأ عليه المعاملات المتنوعة في مصالح المسلمين فقال لي: ((رأيت البارحة أنني أقود بكرة وأنت تسوقها، وقد أوَّلت هذه البكرة بالجامعة الإسلامية))، والبكرة هي الشابة الفتية من الإبل، وقد سقت هذه البكرة وراءه رحمه الله مدة سنتين، وبعد انتقاله عن الجامعة قدتها أربع سنوات كاملة، وأما حياة الجامعة الجديدة التي زعمتها الصحفية في المدة التي بدأ فيها إضعاف الجامعة في مجال اختصاصها فهي في الحقيقة فترة شيخوخة وهرم وهي مما يُعزَّى عليه، وقد عايشت هذه الجامعة وأدركت في شبابي شبابها وقوتها، ثم أدركت في شيخوختي هرمها وضعفها، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنه ليحزنني ويؤلمني كثيراً أن أرى جامعة أُسست على التقوى من أول يوم وتولى غراسها الشيخان الجليلان محمد بن إبراهيم وعبد العزيز بن باز رحمهما الله يؤول أمرها بعد نصف قرن على إنشائها إلى أن تكون في مهب الريح؛ فتعصف بها الأعاصير وتكون محل إعجاب المستغربين والتغريبيين والصحفيين بل وحتى الصحفيات اللاتي لا وجود لهن قبل عدة سنوات.
وأسأل الله عز وجل أن يوفق كل من له سلطة على الجامعة وعلى رأس الجميع خادم الحرمين حفظه الله للعمل على إبقائها قوية منيعة سالمة من الضعف والإضعاف.
ومن المناسب في هذه المناسبة أن أذكر شيئاً من الأعمال التي حصلت في الجامعة في فترة من فترات موتها المزعوم، وهي مدة ست سنوات كنت مسئولاً فيها في الجامعة مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وبعده:
1): افتُتح قسم الدراسات العليا في الجامعة لمنح درجتي الماجستير والدكتوراه.
2): افتُتحت كليات القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة العربية.
3): أُنشئت مطابع الجامعة.
4): طُبع في كل سنة من السنوات الست دليل للجامعة يحتوي على ذكر المعلومات المختلفة عن مناهجها ومدرسيها وطلابها وخرِّيجيها وأنشطتها وغير ذلك.
5): أُلقي في قاعة المحاضرات تسعون محاضرة تخدم رسالة الجامعة بواقع خمس عشرة محاضرة في كل سنة، طُبعت في ستة أجزاء.
6): طُبع كتاب: ((خرِّيجو الجامعة من عام 1384هـ إلى عام 1396)).
7): أُعد مخطط علمي (أكاديمي) للجامعة ينتهي فيه عدد طلابها إلى عشرين ألف طالب قام بإعداده مؤسسة وأُنفق عليه مليونان ونصف مليون ريال.
8): عُقد المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة في 24 ــ 29 صفر 1397هـ حضره أعداد كبيرة ينتمون إلى سبعين دولة، واستُصدرت الموافقة السامية على عقد المؤتمر الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، ومؤتمر مكافحة المخدرات والمسكرات وتمَّ عقدهما فيما بعد.
9): طُبع عن طريق مركز الدعوة في الجامعة الذي أُطلق عليه فيما بعد عمادة خدمة المجتمع رسائل كثيرة للدعوة في داخل البلاد وخارجها، وطبعت الجامعة في المغرب عن طريق الملحق الديني الأستاذ محمد بن عبد السلام رحمه الله أربع رسائل طبع من كلٍّ منها خمسون ألف نسخة تم توزيعها في المغرب والجزائر، وذلك إثر فَقْد كمية من كتاب: ((شرح العقيدة الواسطية)) للهراس مرسلة إلى الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله، فطبعت الجامعة هذه الكمية من هذا الكتاب وغيره في المغرب.
10): اُنتدب بعض المدرسين في الجامعة إلى بعض الجهات التي توجد فيها المخطوطات خارج المملكة لتصويرها وإيداعها في قسم المخطوطات التابع للمكتبة المركزية في الجامعة، وأُحضر منها أعداد كبيرة استفاد منها الطلاب والباحثون، ومما هو جدير بالذكر أنه يوجد في المكتبة المحمودية في المدينة نسخة خطية مسندة لكتاب: ((المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية)) لابن حجر رحمه الله أرادت الجامعة تصويرها فلم يمكن ذلك لتكسر أوراقها من البلى، وعند ذهاب بعض المدرسين لتصوير المخطوطات في الهند وجدوا نسخة منقولة من هذه النسخة في عام 1351هـ محفوظة في المكتبة العمرية بجامعة دار السلام بعمر آباد مدراس، فأحضروا صورة عنها إلى قسم المخطوطات في الجامعة.
وقدوتي فيما ذكرته ــ هنا بمناسبة الحياة والممات للجامعة في حوار الصحفية ــ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال للأنصار في غزوة حنين: ((يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟! وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟!)) من حديث رواه البخاري (4330) ومسلم (2446) وذكر الحافظ ابن حجرفي الفتح (8/52) من فوائد هذا الحديث ((إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه))، وقال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (3/309): ((وفي الحديث دليل على إقامة الحجة عند الحاجة إليها على الخصم)).
وقد أوصيتُ في عام 1418هـ، أن تكون مكتبتي الخاصة ضمن محتويات المكتبة المركزية بالجامعة وتجعل في موضع خاص بها.
وإن مما يؤسف له أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد أصيبت بمثل ما أصيبت به الجامعة الإسلامية، وهي جامعة عريقة في هذه البلاد تخرّج أول فوج منها عام 1376هـ، ومنهم الشيخ عبد الله الغديان رحمه الله، والغالبية العظمى من القضاة والمشتغلين بالعلم في هذه البلاد هم من خريجي هذه الجامعة.
وكل راع مسئول عما استرعاه الله عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته)) الحديث رواه البخاري (893) ومسلم (4742).
وأسأل الله عز وجل أن يوفق كل مسئول في هذه البلاد ــ عظمت مسؤوليته أو صغرت ــ وعلى رأس الجميع خادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله للقيام بمسئوليته على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وينفع عباده وتبرأ به الذمة إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عبد المحسن بن حمد العباد البدر
20/6/1431هـ

هل ثبت شيء في تخصيص شهر رجب بعمل؟؟!!!

قال الإمام البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".
وقال أيضاً: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى قَالَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.
وأما ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال : (( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبارك لنا في رمضان )) فقد رواه أحمد والبزار وفي إسناده زائدة بن أبي الرقاد عن زيادة النميري ، وقد قال فيه أبو حاتم : يحدث عن زيادة النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة ، فلا يدري منه أو من زيادة ، ولا أعلم روى عنه غير زيادة ، فكنا نعتبر حديثه . وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : بعد أن أخرج له حديثاً في السنن : لا أدري من هو ، وقال في الضعفاء : منكر الحديث ، وقال في الكنى : ليس بثقة . وقال ابن حبان : لا يحتج بخبره .
وقال النووي في الأذكار : إسناده ضعيف ، وقد جزم بضعف الحديث العلامة الألباني في ضعيف الجامع الصغير .
وأما الصيام الخاص والقيام في أي ليلة من ليليه فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله :
لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي .
ولم يصح في فضيلة العبادة في رجب حديث بل هي موضوعة وموضوعة وكذلك صلاة الرغائب كما نبه عليها الحافظ ابن حجر في رسالته :"تبيين العجب بما ورد في فضل رجب".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :( أما تخصيص رجب وشعبان جميعاً بالصوم ، أو الاعتكاف ، فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه ، ولا أئمة المسلمين، بل قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان، ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان ، من أجل شهر رمضان )
كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ( أن تعظيم شهر رجب من الأمور المحدثة التي ينبغي اجتنابها ، وأن اتخاذ شهر رجب موسماً بحيث يفرد بالصوم مكروه عن الأمام أحمد - رحمه الله - وغيره ).
كما أن تخصيص شهر رجب بالعمرة لا أصل له ، قال ابن العطار : ومما بلغني عن أهل مكة زادها الله شرفاً اعتياد كثيرة في رجب ، وهذا مما لا أعلم له أصلاً ، بل ثبت في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( عمرة في رمضان تعدل حجة ))
ولذا فإن تخصيص شهر رجب بالعمرة ليس له أصل ، لأنه ليس هناك دليل شرعي على تخصيصه بالعمرة فيه ، مع ثبوت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب قط كما تقدم.
ولو كان لتخصيصه بالعمرة فضل لدل أمته عليه- وهو الحريص عليهم-كما دلهم على فضل العمرة في رمضان ونحو ذلك .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 4 / 155)
الفتوى (5169): "لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهر رجب كاملًا ولا شهر شعبان كاملًا، ولم يثبت ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، بل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهرًا كاملًا إلا رمضان، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان » رواه البخاري ومسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملًا قط غير رمضان، وكان يصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم » رواه البخاري ومسلم . فصيام رجب كله تطوعًا وشعبان كله تطوعًا مخالف لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في صومه فكان بدعة محدثة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » رواه البخاري ومسلم".
(منقـــــــــــوووووول)

الأحد، 6 يونيو 2010

الشيخ العلامة عبد الله الغديان إلى رحمة الله !!!!!!

قال تعالى : ( أولم يروا أنّا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ..)عن عطاء - رحمه الله - قال " هو موت العلماء , وذهاب الفضلاء , وفقهاء الأرض , وخيار أهلها " .
ودعت الأمة الإسلامية يوم الثلاثاء الموافق 18/6/1431هـ علماً من أعلامها وهو الشيخ / عبدالله بن عبد الرحمن الغديان عضو هيئة كبار العلماء رحمة الله عليه . نسأل الله أن يتغمد الفقيد برحمته , وأن يغفر له ويسكنه فسيح جناته .اللهم نقّه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ..اللهم اجعل مستقره جنة الفردوس الأعلى .أحسن الله عزاؤكم وأهله وذويه وعزاء كل مسلم في فقده .وإنّا لله وإنّا إليه راجعون اللهم آجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.
**تعريف مختصر بالشيخ العلاّمة عبد الله بن عبد الرحمن الغديان التميمي يرحمه الله **
هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن قاسم آل غديان من آل محدث من بني العنبر من بني عمروبن تميم وينتهي نسبه إلى عمرو ( طابخة) بن إلياس بن مضر من أسرة العدنانيين ومن جهة الأم يرجع نسبه إلى آل راشد من عتيبة إلى هوازن .
الميلاد : ولد عام 1345هـ في مدينة الزلفي .
الدراسة: تلقى مبادئ القراءة والكتابة في صغره على: عبد الله بن عبد العزيز السحيمي وعبد الله بن عبد الرحمن الغيث وفالح الرومي وتلقى مبادئ الفقه والتوحيد والنحو والفرائض على: حمدان بن أحمد الباتل.
ثم سافر إلى الرياض عام 1363هـ فدخل المدرسة السعودية الابتدائية ( مدرسة الأيتام سابقاً ) عام 1366هـ تقريباً وتخرج فيها عام 1368هـ . عين مدرساً في المدرسة العزيزية وفي عام 1371هـ دخل المعهد العلمي، وكان أثناء هذه المدة يتلقى العلم على سماحة الشيخ / محمدبن إبراهيم آل الشيخ. كما يتلقى علم الفقه على الشيخ / سعود بن رشود ( قاضي الرياض ) والشيخ / إبراهيم بن سليمان في علم التوحيد والشيخ / عبد اللطيف بن إبراهيم في علم النحو والفرائض .
ثم واصل دراسته إلى أن تخرج في كلية الشريعة عام 1376هـ .
وعين رئيساً لمحكمة الخبر ثم نقل للتدريس بالمعهد العلمي عام 1378هـ ، وفي عام 1380هـ عين مدرساً في كلية الشريعة وفي عام 1386هـ.
نقل كعضو للإفتاء في دار الإفتاء وفي عام 1391هـ عين عضواً للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالإضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء .
مشائخه:تلقى العلم على مجموعة من طلبة العلم في مختلف الفنون ومن أبرزهم بالإضافة إلى ما سبق:
(1) سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز تلقى عليه علم الفقه .
(2) الشيخ / عبد الله الخليفي في الفقه أيضاً .
(3) الشيخ / عبد العزيز بن رشيد في الفقه والتوحيد والفرائض .
(4)الشيخ / محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه وعلوم القرآن والتفسير .
(5)الشيخ / عبد الرحمن الأفريقي علم المصطلح والحديث .
(6) الشيخ / عبد الرزاق عفيفي .
(7) عبد الفتاح قاري البخاري أخذ عنه القرآن برواية حفص عن عاصم يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وغيرهم .
آثاره : إضافة إلى ما سبق كان أثناء عمله من عام 1389هـ إلى اليوم وهو يقوم بتدريس الفقه وأصوله وقواعده والحديث ومصطلحه والتفسير وعلومه والعقيدة والفقه في حلقات منتظمة غالب أيام الأسبوع حسب الظروف بعد المغرب وبعد العشاء.وأحياناً بعد الفجر وبعد العصر.
ومن عام 1395هـ كان بالإضافة إلى عمله في الإفتاء يلقي دروساً على طلبة الدراسات العليا في جامعة الإمام وكلية الشريعة في الفقه والأصول وقواعد الفقه وقاعدة البحث ويشرف ويشترك في مناقشة بعض الرسائل.
ومن خلال هذه الفترة تلقى عليه العلم عدد كثير من طلاب العلم ، كما رشح عام 1381هـ ضمن من ينتدبون إلى التوعية والإفتاء في موسم الحج إلى الوقت الحاضر.
ولما تُوفي سماحةالشيخ / عبد الله بن حميد عام 1402هـ تولى الإفتاء في برنامج نور على الدرب، وقد كان يرحمه الله يعاني من ألم المرض من نحو أربعة أشهر فقد دخل المستشفى في شهر صفر ، وتم إجراء عملية جراحية لإزالة ورم ولكن قدر الله وما شاء فعل .فإنا لله وإنا إليه راجعون.

السبت، 29 مايو 2010

الدنيا===مزرعة للآخرة!!!!!!

منذ زمن طويل كانت هناك مدينة يحكمها ملك، وكان أهل هذه المدينة يختارون الملك بحيث يحكم فيهم سنة واحدة فقط، وبعد ذلك يرسل الملك إلى جزيرة بعيدة، حيث يكمل فيها بقية عمره، ويختار الناس ملك آخر غيره.
وهكذا أنهى أحد الملوك فترة الحكم الخاصة به، وألبسه الناس الملابس الغالية، وأركبوه فيلا كبيراً، وأخذوا يطوفون به في أنحاء المدينة قائلين له وداعاً، وكانت هذه اللحظة من أصعب لحظات الحزن والألم على الملك وجميع من كان قبله، ثم بعد ذلك وضعوه في السفينة التي قامت بنقله إلى الجزيرة البعيدة حيث يكمل فيها بقية عمره، ورجعت السفينة إلى المدينة.
وفي طريق العودة اكتشفوا إحدى السفن التي غرقت منذ وقت قريب، ورأوا شاباً وهو متعلق بقطعة من الخشب عائمة على الماء، فأنقذوه وأخذوه إلى بلدتهم، وطلبوا منه أن يكون ملكاً عليهم لمدة سنة واحدة، ولكنه رفض في البداية ثم وافق بعد ذلك، وأخبره الناس على التعليمات التي تسود هذه المدينة وأنه بعد مرور 12 شهراً سوف يحمل إلى تلك الجزيرة التي تركوا فيها ذاك الملك الأخير.
بعد ثلاثة أيام من تولي الشاب للعرش في هذه المدينة، سأل الوزراء هل يمكن أن يرى هذه الجزيرة حيث أرسل إليها جميع الملوك السابقين، فوافق الوزراء وأخذوه إلى الجزيرة ورآها، وقد غطت بالغابات الكثيفة، وسمع صوت الحيوانات الشريرة، وهي تنطلق في أنحاء الجزيرة، نزل الملك إلى الجزيرة وهناك وجد جثث الملوك السابقين ملقاة على الأرض، وفهم الملك القصة بأنه ما لبث أن ترك الملوك السابقون في الجزيرة أتت إليه الحيوانات المتوحشة وسارعت بقتلهم والتهامهم.
عندئذ عاد الملك إلى مدينته وجمع 100 عامل أقوياء وأخذهم إلى الجزيرة، وأمرهم بتنظيف الغابة وإزالة جثث الحيوانات والملوك السابقين وإزالة قطع الأشجار الصغيرة. وكان يزور الجزيرة مرة في الشهر ليطل على سير العمل. وكان العمل يتقدم بخطوات سريعة. فبعد مرور شهر واحد أزيلت الحيوانات والعديد من الأشجار الكثيفة. وعند مرور الشهر الثاني كانت الجزيرة قد أصبحت نظيفة تماماً. ثم أمر الملك العمال بزرع الحدائق في جميع أنحاء الجزيرة وقام بتربية بعض الحيوانات المفيدة مثل الدجاج والبط والماعز والبقر ... الخ
ومع بداية الشهر الثالث أمر العمال ببناء بيت كبير ومرسى للسفن، وبمرور الوقت تحولت الجزيرة إلى مكان جميل. وقد كان الملك ذكياً فكان يلبس الملابس البسيطة وينفق القليل على حياته في المدينة في مقابل أنه كان يكرس أمواله التي وهبت له في إعمار هذه الجزيرة.
وبعد مرور 9 أشهر جمع الملك الوزراء قائلاً أنه يعلم أن الذهاب للجزيرة يتم بعد مرور 12 شهر من بداية حكمه. ولكنه يود الذهاب إلى الجزيرة الآن. ولكن الوزراء رفضوا قائلين حسب التعليمات لابد أن تنتظر 3 شهور أخرى ثم بعد ذلك تذهب للجزيرة.
مرت الشهور الثلاثة واكتملت السنة. وجاء دور الملك ليتنقل إلى الجزيرة. ألبسه الناس الثياب الفاخرة ووضعوه على الفيل الكبير قائلين له وداعاً أيها الملك.
ولكن الملك على غير عادة الملوك السابقين كان يضحك ويبتسم. وسأله الناس عن ذلك فأجاب بأن الحكماء يقولون:"عندما تولد طفلاً في هذه الدنيا تبكي بينما جميع من حولك يضحكون، فعش في هذه الدنيا واعمل ما تراه حتى يأتيك الموت وعندئذ تضحك بينما جميع من حولك يبكون، فبينما الملوك السابقون كانوا منشغلين بمتعة أنفسهم أثناء فترة الملك والحكم كنت أنا مشغولاً بالتفكير في المستقبل وخططت لذلك وقمت بإصلاح وتعمير الجزيرة وأصبحت جنة صغيرة يمكن أن أعيش فيها بقية حياتي بسلام".
والدرس المأخوذ من هذه القصة الرمزية أن هذه الحياة الدنيا هي مزرعة للآخرة ويجب علينا ألا نغمس أنفسنا في شهوات الدنيا عازفين عن الآخرة حتى ولو كنا ملوك. فيجب علينا أن نعيش حياة بسيطة مثل رسولنا محمد صلى الله عليه واله وسلم.

الخميس، 27 مايو 2010

دراسة طبية سعودية= الجوال هو المتهم الرئيسي لأمراض السمع!!!!

أعلنت دراسة طبية حديثة أجريت في المملكةالعربية السعودية عن أضرار أكيدة لاستخدام الهاتف المحمول على الأذن الوسطى ، كما أشارت الدراسة إلى تأثر قدرة السمع مع طول مدة الاستخدام . وقدم استشاري الأنف والأذن والحنجرة طبيب زمالة (جامعة الملك سعود) لطب وجراحة الأذن الدكتور / إبراهيم شامي مؤخراً نتائج دراسته - التي أجراها بـ (مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي) - لمعرفة مدى تأثير الجوال على الأذن وحاسة السمع في الاجتماع الثامن عشر لـ (الجمعية السعودية للأنف والأذن والحنجرة) في مدينة أبها الذي عقد مؤخرا . وضمت الدراسة ثلاثة وستين متطوعا أصحاء .. أجرى كل منهم مكالمة بالهاتف الجوال لمدة ساعة كاملة ، وأجري لهم فحص للسمع قبل وبعد المكالمة مباشرةً إضافة إلى توزيع استبيان على كل فرد بالعينة .وتبين من الفحص وجود نقص بالسمع في الترددات السمعية الوسطى بعد التحدث بالجوال , وكانت الأعراض المصاحبة لاستخدام الجوال كالتالي :

- ألم وحرارة بالأذن 47.6% .

- ثم الصداع 19% .

- والدوار والدوخة 9.5% .

- والطنين 6.3% .

وبحسب جريدة (الوطن) فقد بين عضو هيئة التدريس بـ (كلية الطب - جامعة الملك سعود) والباحث الرئيسي بالتجربة الدكتور / عبد الرحمن السنوسي أن الدراسة تعد هي الأولى من نوعها لمعرفة تأثير استخدام الجوال لفترة طويلة على حاسة السمع ؛ حيث يعتقد بأن استخدام الجوال في المملكة يفوق استخدامه في بلدان العالم .وقد أوصت الدراسة بالتقليل من استخدام الجوال وعدم استخدامه لمدة طويلة ، كما أوصى الباحثون بدراسات أخرى لتقييم التأثير المتراكم لاستخدام الجوال ؛ وخاصة لدى الأطفال لحمايتهم من هذه التقنية التي قد يساء استخدامها ؛ مما ينعكس سلبياً على صحتهم .. وقد تظهر آثاره السلبية بعد تقدمهم في العمر .(مأخوذ من المختصر للأخبار)

الثلاثاء، 25 مايو 2010

الرياضة النسائية ==== وجهة نظر طبية!!!

قد أفتى فضيلة الشيخ العلامة عبد الكريم بن عبد الله الخضير عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بتحريم الرياضة النسائية،كما أفتى بمنع ذلك الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء والمستشار بالديوان الملكي قبل بضعة أيام لما فيها من مفاسد وأضرار عظيمة،وقد عثرت على مقال قيم للدكتورمفلح بن غضبان الرويلي حول هذا الموضوع فأحببتُ نشره في هذه المدونة المتواضعة لما في ذلك من فوائد وتوصيات نافعة ومفيدة،والآن نترككم مع المقال:
في ظل انفتاح إعلامي رهيب، وجهد تغريبي متواصل، كثر الكلام حول قضايا مختلفة في مجتمعنا، تدور حول الجمود والتخلف وحقوق المرأة وحريتها، في طرق مستمر لا يعرف الكلل ولا الملل، في تبادل للأدوار وتواص بين دهاقنة التغريب والعلمنة وأذنابهم في الداخل والخارج، وذلك في محاولة يائسة لزلزلة الأسس والثوابت التي قام عليها و تميز بها هذا المجتمع.
وكان من أهم هذه القضايا: قضايا المرأة، و قضايا الفن كالمسرح والسينما، وأخيرا وليس آخرا الرياضة النسائية.
الكلام حول الرياضة النسائية تدرج بداية حول بعض التمارين الصباحية التي تؤديها الفتيات في مدارسهن، ثم المطالبة بإنشاء أماكن خاصة للنساء لإجراء التمارين الرياضية المفيدة و المناسبة لطبيعة النساء، ثم كان التصريح بالمطالبة بإنشاء أندية رياضية للنساء أسوة بالأندية الرياضية للرجال، تقام فيها كافة الأنشطة التي تقام بالأندية الرجالية، وتجرى فيها المسابقات والبطولات كالتي تجرى بين الأندية الرجالية، والحرص على رفع مستوى اللاعبات السعوديات حتى يصبحن قادرات على تمثيل بلادهن في المحافل الدولية وعلى رفع راية لا اله إلا الله خفاقة أمام الملايين، كل هذا طبعا وفق الضوابط الشرعية السمحة!!!
وكان لافتا هذه المرة محاولة إقحام الجوانب الطبية و الصحية، وذكر بعض المعلومات والدراسات الطبية في محاولة لإثبات فوائد الرياضة النسائية، وشاب هذا الاستدلال الكثير من الكذب والتزوير والتحريف، ولا غرو و لا عجب، فمن كذب على الله وعلى رسوله فهو أجدر و أليق بالكذب على سائر البشر.
كان موضوع انتشار السمنة بين النساء هو المرتكز الذي بنوا عليه دعاواهم الممجوجة والمكررة لإقحام المرأة في الرياضة، و كان واضحا في تلك الأطروحات محاولة الربط المباشر بين انتشار السمنة وعدم ممارسة المرأة للرياضة، و تجاهل تام للعوامل الأخرى التي تساهم في انتشار السمنة والتي ربما هي أكثر أهمية من ممارسة الرياضة، متناسين لطبيعة المرأة المنافية لمعظم الرياضات الرجالية، ومتجاهلين لانتشار السمنة أيضا بين الرجال مع توافر كافة أنواع الرياضة و أماكن ممارستها، فلم يمنع السماح للرجال بممارسة كافة أنواع الرياضة من انتشار السمنة في وسط الرجال....و كذلك أيضا، لم يمنع السماح للنساء بممارسة اغلب أنواع الرياضة في اغلب دول العالم من انتشار السمنة في وسط النساء في تلك الدول أكثر من الرجال.....لكن أنى لمن كان الهوى قائده و دليله أن يفقه ذلك، وصدق الله القائل في محكم التنزيل:
( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه و قلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ).
و بعد، فاني بعون الله تعالى، سأتناول هذا الموضوع بمزيد من البيان و التوضيح وذلك من الناحية الصحية والطبية، تاركا الناحية الشرعية لأهل الاختصاص من العلماء وطلاب العلم.
هذا، و سوف يكون الكلام عبر أربعة محاور:
- الأول: هل السمنة مشكلة محلية فقط، أم عالمية؟ وهل هي خاصة بالنساء فقط؟
- الثاني: هل قلة النشاط البدني مشكلة محلية فقط؟ و هل هي السبب الوحيد للسمنة؟
- الثالث: هل لممارسة النساء الرياضة أضرارا صحية؟
- الرابع: هل تعتبر الأعمال المنزلية نوعا من الرياضة؟
أولا- بل أصبحت السمنة مشكلة عالمية وليست محلية فقط:
تعريف السمنة و فرط الوزن: تُعرّف حالات السمنة وفرط الوزن على أنّها تراكم الدهون بشكل شاذ و مفرط قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
و يعد منسب كتلة الجسم مؤشرا بسيطا للوزن مقابل الطول يستخدم عادة لتصنيف فرط الوزن والسمنة بين البالغين من السكان والأفراد عموما. ويحسب ذلك المنسب بتقسيم الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر(كيلوغرام/ م2).
وتعرّف منظمة الصحة العالمية "فرط الوزن" على أنّه الحالة التي يبلغ فيها منسب
الجسم 25 أو يتجاوز تلك النسبة، وتعرّف "السمنة" على أنّها الحالة التي يبلغ فيه
ذلك المنسب 30 أو يتجاوز تلك النسبة..
تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2005م إلى أن هناك حوالي 1.6 بليون إنسان
(15 سنة وأكثر) حول العالم يعانون من فرط الوزن، و أن هناك حوالي 400 مليون يعانون من السمنة، و تشير توقعات المنظمة انه بحلول عام 2015م ستزداد هذه الأرقام إلى حوالي 2.3 بليون يعانون من فرط الوزن و 700 مليون يعانون من السمنة.
و بالنسبة للأطفال، تشير الإحصائيات إلى انه حوالي 20 مليون طفل اقل من 5 سنوات يعانون من فرط الوزن.(1)
و تقول المنظمة أن المشكلة لم تعد قصرا على الدول الغنية فقط، بل إنها بدأت تنتشر في الدول متوسطة الدخل و الأقل دخلا.
أما على مستوى الدول، و وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية أيضا لعام 2005م، تنتشر السمنة في الولايات المتحدة بين 40% من النساء و 35% من الرجال تقريبا، و في بريطانيا 23% بين النساء و 20% بين الرجال تقريبا، وتنخفض هذه النسبة في الصين مثلا فتبلغ اقل من 5% بين الرجال والنساء، وفي دولة بنين حوالي 10% بين النساء و اقل من 2% بين الرجال.(2)
أما هنا في السعودية، فقد أجريت عدة دراسات لمعرفة مدى انتشار السمنة، شمل بعضها كافة أنحاء المملكة، و اختصت بعضها بمناطق معينة من مناطق المملكة:
- في دراسة شملت كافة أنحاء المملكة، بين عامي 1995-2000م، و كانت العينة المشمولة بالدراسة بين الفئتين العمريتين 30-70 سنة، و كانت النتائج:
- نسبة فرط الوزن: 42% بين الرجال و 31.8% بين النساء
- نسبة انتشار السمنة: 26.4% بين الرجال و 44% بين النساء.(3)
- في دراسة أجريت في المنطقة الشرقية في عام 2004م وشملت الفئة العمرية 30 سنة و أكثر:
- نسبة انتشار السمنة: 43.8%.
- نسبة فرط الوزن: 35.1%.(4)
و السؤال: ماذا تعني هذه الأرقام؟..... و الجواب:
1- أن مشكلة انتشار السمنة ليست مشكلة إقليمية فضلا أن تكون محلية، بل هي مشكلة عالمية، لا تكاد تخلو منها دولة من دول العالم، وان اختلفت نسبة الانتشار من دولة لأخرى.
2- أن مشكلة انتشار السمنة آخذة بالازدياد، و ليس متوقعا أن تتوقف أو تقل في الأعوام القادمة، بل إن العكس هو الصحيح.
3- أن انتشار السمنة لم يعد مقصورا على البالغين، بل إنها بدأت تنتشر بين الأطفال.
4- أن انتشار السمنة بين النساء أكثر من انتشارها بين الرجال وذلك في معظم دول العالم، وليس في السعودية وحدها.
و عودا على بدء، بالنسبة للسعودية، نجد أن السمنة انتشرت في معظم فئات المجتمع و طبقاته، و تأمل هاتين الدراستين:
- دراسة أجريت على الجنود العسكريين في إحدى مناطق المملكة عام 2004م، و أظهرت أن حوالي 82% من الجنود يعانون إما من فرط الوزن أو من السمنة.(5)
- دراسة أجريت في إحدى كليات إعداد المعلمين في المملكة، للعام الدراسي 2005-2006م، و أظهرت أن أكثر من 50% من الطلاب يعانون من فرط الوزن أو من السمنة، و أشارت الدراسة إلى أن 85% من الطلاب يشاهدون التلفاز إثناء الأكل و يتناولون المشروبات الغازية.(6)
أما فئة صغار السن من الشباب و الأطفال، فان السمنة بدأت تغزو هذه الفئة الغالية أيضا، والدراسات التالية خير شاهد و دليل:
- أظهرت دراسة أجريت على الفئة العمرية 12-20 سنة من الأولاد في عام 2002م في الرياض، أن 20.5% يعانون من السمنة، و أن 13.8% يعانون من فرط الوزن، و أشارت الدراسة إلى انه يوجد ارتباط بين انتشار السمنة و وجود تاريخ عائلي للسمنة و كذلك قلة الحركة.(7)
- أظهرت دراسة أجريت في المنطقة الشرقية عام 2001م، و شملت الطلاب والطالبات في الصف الثالث متوسط والمرحلة الثانوية:
- انتشار السمنة بين 19.3% من الطلاب و 11.8% من الطالبات
- انتشار فرط الوزن بين 10.2% من الطلاب و 17.2% من الطالبات.(8)
- في دراسة أجريت في الرياض في العام الدراسي 2006-2007م، في مدارس البنات الابتدائية، و شملت الدراسة الصف الرابع والخامس والسادس، و أظهرت أن 14.9% من الطالبات بعانين من السمنة، و أشارت الدراسة إلى وجود ارتباط قوي بين انتشار السمنة و بين تناول الوجبات السريعة و المشروبات الغازية و مشاهدة التلفاز.(9)
و نتساءل: إلى أين يتجه مؤشر انتشار السمنة في بلادنا؟.....و الدراسة التالية تجيب:
في دراسة لمحاولة معرفة معدل انتشار السمنة بين عامي 1988-2005م، ضمن مدارس الرياض الابتدائية للأولاد (6-14سنة)، و جدت الدراسة أن هناك ازديادا كبيرا و خطيرا في نسبة انتشار السمنة بين هؤلاء الأطفال، فقد قفزت النسبة من 3.5% في عام 1988م إلى 24.5% في عام 2005م.(10)......فالجواب إذا: أن السمنة بازدياد، و ذلك أن معظم هؤلاء الأطفال سيبقون يعانون من السمنة عندما يكبروا، بالإضافة إلى من سيصاب بالسمنة من الكبار.
مرة أخرى، ازدياد السمنة بين الأطفال ليس مشكلة سعودية فقط، بل هو مشكلة عالمية، فوفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2005م، فان أكثر من 20 مليون طفل في العالم اقل من 5 سنوات يعانون من فرط الوزن، و في الولايات المتحدة فان معدل انتشار السمنة بين الأطفال(6-11سنة) تضاعف أكثر من مرة منذ عام 1960م، وفي الولايات المتحدة أيضا، فان معدل انتشار السمنة بين عمري 12-17سنة، قد ازداد من5% إلى 13% للأولاد، و من 5% إلى 9% للبنات، وذلك بين عامي 1970-1991م، و في تايلاند ازدادت نسبة انتشار السمنة في الفئة العمرية 5-12سنة من 12.2% إلى 15.6% و ذلك خلال سنتين فقط.(11)
و لعل هناك من يتساءل: و لماذا الخوف من انتشار السمنة؟
إن معرفة الآثار السلبية و الخطيرة للسمنة كفيل و جدير بان يبرر مصدر هذا الخوف و القلق من انتشار السمنة، وان يدق ناقوس الخطر.
إن هذه الآثار شاملة لا يمكن حصرها، سواء على الفرد أو المجتمع، وهي ذات بعد اجتماعي ونفسي و صحي و اقتصادي، و أشير هنا إلى نوعين من هذه الآثار.
الآثار الصحية:
وفقا لمنظمة الصحة العالمية، فان حالات فرط الوزن و السمنة تؤدي إلى آثار صحية وخيمة و تزيد هذه المخاطر نسبيا مع تزايد منسب كتلة الجسم:
- الأمراض القلبية الوعائية: و تعتبر هذه أولى مسببات الوفاة على المستوى العالمي، بما يزيد عن 17 مليون وفاة في العام.
- السكري: و تشير توقعات منظمة الصحة العالمية إلى أن وفيات السكري ستسجل ارتفاعا كبيرا في السنوات العشر القادمة تفوق نسبته 50% في جميع إرجاء العالم.
- الاضطرابات العضلية والهيكلية.
- بعض أنواع السرطان ( سرطان بطانة الرحم، و سرطان الثدي، و سرطان القولون)
أما بالنسبة لسمنة الأطفال، فان للسمنة آثارا صحية وخيمة أيضا:
- زيادة احتمال الوفاة المبكرة.
- احتمال الإصابة بحالات العجز في مرحلة الكهولة.
- ظهور النوع الثاني من السكري في الأطفال الذين يعانون من السمنة، بعد أن كان هذا النوع حصرا على البالغين.
الآثار الاقتصادية:
تشير التقديرات إلى أن السمنة تكلف الاقتصاديات الغنية ما يوازي 7% من الإنفاق الحكومي على الصحة، لكن بعض التقديرات الأخرى تقول أن التكلفة الحقيقية التي تتضمن التأثير المباشر و غير المباشر للسمنة على الصحة تتجاوز هذا الرقم بكثير.(12)
و هنا يبرز تساءل: إذا كانت السمنة بهذه الخطورة و هذه الآثار الوخيمة، فمن أين تأتي السمنة؟ وهل يمكن توقيها؟...............و الجواب:
أن السبب الأساسي الكامن وراء فرط الوزن و السمنة هو اختلال توازن الطاقة بين السعرات الحرارية التي تستهلك من جهة، وبين السعرات الحرارية التي ينفقها الجسم من جهة أخرى.
و حسب منظمة الصحة العالمية، فتعزى زيادة حالات السمنة و فرط الوزن على الصعيد العالمي إلى عاملين مهمين:
- تحول عالمي في النظام الغذائي يتسم بالنزوع إلى تناول المزيد من الأغذية الغنية بالطاقة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والسكريات ونسبة قليلة من الفيتامينات والمعادن.
- نزوع نحو تقليل النشاط البدني بسبب طبيعة العديد من الوظائف التي باتت تتسم بقلة الحركة، و تغير وسائل النقل و التوسع العمراني.(13)
أما الجواب على الشق الثاني من السؤال: وهل يمكن توقيها؟...........فالجواب نظريا سهل: نعم، يمكن توقيها و منعها أيضا و ذلك بتوقي أسبابها، أي بتقليل تناول الدهون والسكريات، و زيادة النشاط البدني والحركة............ولكن عمليا، هناك صعوبات كبيرة تواجه من يحاول التصدي لمشكلة السمنة......فإذا علمنا أن نشوء السمنة و انتشارها يتم عبر عملية يتفاعل فيها العامل الاجتماعي و السلوكي والثقافي و الفسيولوجي(14)، ويتحمل الفرد والمجتمع المسؤولية فيها، فإذا عرفنا ذلك، تبين لنا منشأ و سبب الصعوبة في معالجة هذه المشكلة...... فالعادات الاجتماعية التي تمجد الإسراف في الولائم تلعب دورا في انتشار السمنة، و السلوكيات الخاطئة إثناء تناول الطعام كمشاهدة التلفاز تلعب دورا أيضا، و الموروثات الثقافية الخاطئة التي تربط جمال المرأة بالسمنة تلعب دورا أيضا، و أخيرا يلعب العامل العضوي و الجيني و الذي يختلف من فرد لآخر دورا في انتشار السمنة أيضا.....
و بعد، فيحق لنا أن نتساءل: مشكلة متشابكة ذات أبعاد مختلفة، و ذات تأثيرات بالغة على الصحة و الاقتصاد، كمشكلة انتشار السمنة، هل يمكن معالجتها عبر أطروحات سطحية مليئة بالمغالطات، تختزل المشكلة كلها في عدم و جود مقرر الرياضة البدنية في مدارس البنات، بينما معظم الدراسات التي ذكرت هنا والتي لم تذكر، تبين أن نسبة انتشار السمنة في مدارس الأولاد أكثر من أو مساوية لمدارس البنات، و هم الذين تعج مدارسهم بمختلف أنشطة الرياضة البدنية؟.
هل حقا يمكن معالجة مثل هذه المشكلة بهذه الطريقة؟......أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟.....
ثانيا- بل قلة النشاط البدني مشكلة عالمية أيضا:
وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2002م، فان قرابة 60-80% من سكان العالم يوصفون بقلة النشاط البدني...
أما بالنسبة للأطفال، فيبدو أنهم ليسوا أحسن حظا من الكبار، فوفقا لتقديرات المنظمة أيضا، فان ما يقارب ثلثي أطفال العالم يعانون أيضا من قلة النشاط البدني.(15)
أما هنا في السعودية فهناك بعض الدراسات:
- دراسة أجريت في مدينة الرياض عام 1996م، وشملت الفئة العمرية 19 سنة فأكثر من الرجال فقط:
- نسبة الذين يوصفون بقلة النشاط البدني: 81%
- نسبة النشطين بدنيا: 19%
و أظهرت هذه الدراسة كذلك أن نسبة انتشار السمنة في الذين يمارسون النشاط البدني اقل من غير النشطين و إن كان هذا الفرق طفيفا:
- نسبة السمنة في النشطين بدنيا 13%، وفي غير النشطين 18%
- نسبة فرط الوزن في النشطين بدنيا 30%، وفي غير النشطين 33%.(16)
- دراسة شملت كافة أنحاء المملكة، بين عامي 1995-2000م، وشملت الفئة العمرية 30-70سنة من كلا الجنسين:
- من الرجال: 93.9% غير نشطين بدنيا
- من النساء: 98.1% غير نشيطات بدنيا.(17)
- دراسة أجريت في إحدى كليات إعداد المعلمين في المملكة، للعام الدراسي 2005- 2006م، وكانت الدراسة تهدف إلى معرفة مدى ممارسة الطلاب للنشاط البدني:
- لا يمارسون أي نشاط بدني: 14%
- مرتين أو اقل/ الشهر : 69.3%
أي أن الذين لا يمارسون النشاط البدني بدرجة كافية: 83.3%
- يمارسون النشاط البدني بانتظام: 16.7%.(18)
مرة أخرى، ماذا تعني مثل هذه الأرقام؟......و الجواب:
- أن قلة النشاط البدني و غلبة الحياة الخاملة أصبحت سمة سائدة تشمل اغلب شعوب العالم، و لاشك أن تغير نمط الوظيفة و العمل و اتسامها بقلة الحركة، و توفر وسائل النقل المريحة، لعبت دورا أساسيا في هذه المشكلة.
- أن هذه المشكلة لم تعد قاصرة على الكبار، بل اتسعت لتشمل الشباب و الأطفال أيضا، و هم الفئة المتوقع أنهم الأكثر حركة و نشاطا، و لاشك أن الجلوس الساعات الطوال لمشاهدة التلفاز و الألعاب الالكترونية لعبت دورا أساسيا في نشؤ هذه المشكلة.
- أما هنا في السعودية، فان قلة النشاط البدني أصبح صفة ملازمة لأغلب الشعب رجالا و نساء، و ليس في النساء فقط.
- إن السمنة، كما أنها تنتشر في أوساط قليلي النشاط البدني، فكذلك تنتشر أيضا في أوساط النشطين بدنيا، وان كانت اقل نسبيا.
و هنا قد يطرح تساءل: إذا كانت السمنة تنتشر في الذين يمارسون النشاط البدني، فما الفائدة إذا من ممارسة النشاط البدني؟.......و الجواب:
إن هذا التساؤل ناتج عن خلل في فهم سبب نشوء السمنة و اعتقاد أنها ناشئة فقط من قلة النشاط البدني، و الصحيح كما ذكرت آنفا، أن نشوء السمنة ناتج من تفاعل عدة عوامل منها قلة النشاط البدني، و عندما نفكر في معالجة مشكلة السمنة ينبغي أن نأخذ ذلك في اعتبارنا.
و الدراسات العلمية تثبت التالي:
- أن ممارسة الرياضة لوحدها فقط، لا يحدث تغييرا كبيرا في بنية وشكل الجسم.
- ممارسة الرياضة فقط: ينتج عنها نقص الوزن بمقدار 2.9 كغم.
- ممارسة الرياضة بالإضافة إلى الحمية الغذائية: ينتج عنه نقص الوزن بمقدار 10.9 كغم.(19)
و في دراسة أخرى:
- الحمية الغذائية فقط: ينتج عنها نقص الوزن بمقدار 9.9 كغم.
-الحمية الغذائية بالإضافة إلى ممارسة الرياضة: ينتج عنها نقص الوزن بمقدار 13 كغم.(20)
و تبين دراسة أخرى أن:
- الحمية الغذائية فقط: أكثر فاعلية لإنقاص الوزن من ممارسة الرياضة.
- ممارسة الرياضة فقط: أكثر فاعلية لإنقاص الوزن في الرجال من النساء.(21)
و واضح من هذه الدراسات أن الغذاء الصحي و الحمية الغذائية هو حجر الزاوية و المؤثر الأكبر في إنقاص الوزن و التغلب على السمنة، و أن ممارسة الرياضة ليست أكثر من عامل مساعد و متمم لدور الحمية الغذائية في إنقاص الوزن.
لكن ينبغي أن يكون واضحا أيضا، أن هذا الكلام لا يتعارض مع أهمية ممارسة النشاط البدني و الرياضة، فان الكلام هنا مركز فقط لبيان تأثير النشاط البدني على السمنة....
من فوائد ممارسة النشاط البدني و الرياضة:
- التقليل من الإصابة بالإمراض المزمنة، كأمراض القلب و السكري و الجلطات الدماغية.
- التقليل من الإصابة ببعض أنواع السرطان، كسرطان القولون و سرطان الثدي.
- التأثير الايجابي على بعض الأمراض المزمنة، كارتفاع ضغط الدم و السكري و هشاشة العظام.
- المساعدة على التغلب على الضغوطات النفسية المصاحبة للحياة العصرية.
ثالثا- مدى مناسبة ممارسة الرياضة للنساء..............هل هناك أضرار؟
بعض الذين يدعون إلى ممارسة الرياضة النسائية على النمط الرجالي، عالي الشدة، كرياضة الجري وكرة القدم والسلة والطائرة و غيرها، هؤلاء ينسون أو يتناسون، جهلا أو تجاهلا، هذا الأمر الجوهري و المحوري عند نقاش هذا الموضوع، و هو الأضرار الناتجة عن ممارسة النساء هذه الرياضات، و الذي هو مبني بالأساس على الفروق الخلقية بين الرجل والمرأة، و ذلك لأنهم يحاربون هذه الفروق و ينبذونها، و يعتبرون الكلام عنها نوعا من ظلم المرأة و انتهاك حقوقها، و في مقابل ذلك يعتنقون و ينظرون لمبدأ المساواة الكامل بين الرجل والمرأة، ذلك المبدأ العلماني المتطرف، دون اعتبار أو اكتراث لدين أو مجتمع أو حتى الفطرة البشرية..
بقايا الفطرة... تتحدث:
في دراسة أجريت في بريطانيا وشملت حوالي 350000 امرأة، أظهرت الدراسة التالي:
- 80% من النساء البريطانيات لا يمارسن الرياضة بشكل كاف.
- 25% لا يحببن الطريقة التي يظهرن فيها حين يمارسن الرياضة.
- 40% لا يرغبن أن يظهرن كرياضيات
- كثير من الفتيات لا يرغبن الطريقة التي تتطلبها ممارسة الرياضة من تغير في المظهر و الملابس، لان ذلك يتعارض مع صورتهن كأنثى.(22)
و صدق الله القائل، ومن أصدق من الله قيلا، ومن اصدق من الله حديثا: ( أو من ينشا في الحلية.....)، و كذب الأفاكون الكذابون المحاربون للفطرة البشرية السوية.
هذا خلق الله ( نظرية الدهون):
خلال فترة البلوغ، تزداد نسبة الدهون كمكون من مكونات جسم الفتاة حتى تصل إلى 17%، وعند ذلك يحدث الحيض و تبدأ الدورة الشهرية، و لاحظ العلماء أن الدورة الشهرية تضطرب عندما تقل نسبة الدهون عن هذه النسبة، و تتوقف الدورة عندما تقل النسبة عن 12%.(23)
ظهرت هذه النظرية في محاولة لمعرفة أسباب حدوث ضرر من اخطر الأضرار وأكثرها شيوعا تصيب المرأة التي تمارس الرياضة، ألا وهو انقطاع الدورة الشهرية أو اضطرابها، حيث تشير الدراسات إلى:
- تأخر سن بداية الحيض في الفتيات التي يمارسن الرياضة مقارنة بالفتيات اللاتي لا يمارسن.
- 31% من النساء الرياضيات يعانين من الاضطراب في الدورة الشهرية.(24)
- 44% من النساء الرياضيات يعانين من انقطاع الدورة الشهرية.( 25)
بعض الأضرار الأخرى لممارسة المرأة الرياضة:
- ازدياد معدل الإصابة بتمزق الرباط الصليبي في الركبة بما يقارب 8 أضعاف الإصابة عند الرجال.(26)
- 44% من النساء اللاتي يمارسن رياضة الجري لمسافات طويلة يتعرضن للإصابة بكسر واحد في الرجل، و 21% يتعرضن للإصابة بعدة كسور.(27)
- النساء الرياضيات يتعرضن للإصابة بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد أكثر من باقي النساء.
- نسبة شفاء النساء الرياضيات من الإصابات اقل من الرجال و سرعة تماثلهن للشفاء اقل.
رابعا- الأعمال المنزلية......هل من عودة؟
بعض الذين يدعون و ينظّرون للرياضة النسائية يسخرون و يتندرون عند ذكر المنزل و البيت و ارتباط النساء بهذا الكيان، و تزداد هذه السخرية عند ذكر الأعمال المنزلية، لأنهم يرون أن مكث المرأة بالمنزل هو نوع من السجن و الإهمال، و قيامها بأعمال المنزل هو نوع من الاستعباد والإذلال، ولذلك يسعون إلى إخراجها من المنزل بشتى الوسائل، حتى تتحرر من هذا السجن و تنعتق من هذا الاستعباد، و ما الدعوة إلى الرياضة النسائية ألا وسيلة من هذه الوسائل.
المطبخ....لا يزال هو مكان المرأة:
هذه ليست آية في القران فتحتاج للتأويل و التحريف، وليست حديثا نبويا فتعمل فيه معاول التضعيف و التوضيع، و لم ترد عن علماء الأمة سلفهم أو معاصرهم فيوصفوا بالرجعية و الجمود و انتهاك حقوق المرأة، أن هذه الجملة المعنون بها هذه الفقرة هي ليست ذلك كله....
إنها عنوان دراسة مسحية شملت 34 دولة أوروبية و أمريكية، و كان أساس الدراسة محاولة معرفة مدى ارتباط المرأة بالأعمال المنزلية، و مقارنة دورها بدور الرجل في ذلك، و كانت النتيجة آن المرأة تؤدي الأعمال المنزلية أكثر بكثير من الرجل في كل أنحاء العالم، و إن اختلفت النسبة من دولة لأخرى، ففي تشيلي تقضي المرأة في الأعمال المنزلية ما يقارب 38 ساعة أسبوعيا، و تقل هذه النسبة حتى تصل إلى 12 ساعة أسبوعيا في النرويج، و الطريف في هذه الدراسة أنها أظهرت كذلك، انه حتى النساء اللاتي ينتمين إلى الحركات النسوية التحررية، أنهن أيضا يقضين اوقاتا أكثر من الرجال في أداء الأعمال المنزلية!!!(28)
و المثير في هذه الدراسة، أن هذه الدول ورغم الجهود المضنية والمستمرة التي قامت بها خلال السنوات الماضية لإقرار المساواة التامة بين الرجل والمرأة، إلا أن نتائج هذه الدراسة و مثيلاتها تبعث كثيرا من التساؤلات: لماذا النساء أكثر ارتباطا بالمنزل وأكثر أداء للأعمال المنزلية من الرجال؟ و لماذا تميل النساء إلى دراسة بعض التخصصات و العمل ببعض المهن أكثر من الرجال؟ مع أن جميع التخصصات و جميع المهن مفتوحة هناك... للمرأة إن هي أرادت!!!
و لا يزال هذا السؤال مطروحا و مفتوحا أمام دعاة المساواة و ادعيائها في الغرب وصداهم في الشرق، ولكن هل من مجيب...؟
أما نحن امة القران، فان ربنا قد علمنا و أدبنا أن لا نصادم فطرته، و أن لا نسعى لتبديلها: (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لكلمات الله، ذلك الدين القيم و لكن أكثر الناس لا يعلمون).
رياضة... الأعمال المنزلية:
تُصّنف رياضة الأعمال المنزلية أنها من الرياضات متوسطة الشدة، و ذلك بناء على مقدار السعرات الحرارية التي يتم حرقها أثناء ممارسة الأعمال المنزلية، فمقارنة بالمشي لمدة ساعة الذي يحرق حوالي 287 سعرة حرارية، فان استعمال المكنسة الكهربائية بالكنس مثلا لمدة ساعة يحرق حوالي 193 سعرة حرارية، و مسح الأرضيات يحرق حوالي 193 سعرة حرارية، و الكي يحرق 113 سعرة حرارية، و تنسيق الحديقة المنزلية يحرق 287 سعرة حرارية.
فوائد أخرى للأعمال المنزلية:
- في دراسة أجريت في تسع دول أروبية، و شملت أكثر من 200000 امرأة و استمرت لأكثر من 6 سنوات، و كان الغرض من الدراسة معرفة مدى تأثير ممارسة الرياضة على الإصابة بسرطان الثدي، و أظهرت الدراسة أن النساء اللاتي يمارسن الأعمال المنزلية قلت احتمالية إصابتهن بسرطان الثدي بنسبة 30% .(29)
- في دراسة أجريت أيضا في عدة دول أروبية، أظهرت آن احتمالية الإصابة بسرطان بطانة الرحم تقل بنسبة 52% عند النساء اللاتي يمارسن الأعمال المنزلية، بينما تقل بنسبة 34% عند النساء اللاتي يمارسن أنواعا أخرى من الرياضة.(30)
- المشاركة في الأعمال المنزلية و لو بنسبة قليلة تساعد في التقليل من القلق و الضغوطات النفسية و تحسن المزاج العام.(31)
تُرى، كم تفقد المرأة من فوائد صحية و نفسية بخروجها من بيتها وتخليها عن وظيفتها الأصلية، و تنازلها عن ذلك الدور لتقوم به العاملة المنزلية؟!!.
إن من المؤسف جدا انتشار ظاهرة الاعتماد على العاملة المنزلية في مجتمعنا و المجتمعات الخليجية المجاورة، حتى لا يكاد يخلو منها بيت، بينما تقل هذه الظاهرة كثيرا أو تغيب في دول أخرى أكثر غنى منا و تطورا.
النتائج و التوصيات:
تتلخص نتائج العرض السابق فيما يلي:
- مشكلة انتشار السمنة هي مشكلة عالمية و ليست محلية فقط.
- أن مشكلة انتشار السمنة، توجد في الرجال و النساء و كذلك الأطفال.
- أن هذه المشكلة آخذة في الازدياد و ذلك لتوفر العوامل المساعدة على ذلك.
- يترتب على انتشار السمنة أضرارا ضخمة، تتضمن الصحي و النفسي و الاجتماعي و الاقتصادي.
- عملية نشوء السمنة و انتشارها، يتم عبر تفاعل العامل الاجتماعي و السلوكي و الثقافي و الفسيولوجي.
- أن معالجة مشكلة السمنة لابد أن يكون شاملا لكل العوامل التي تسهم في ظهورها.
- أن التركيز على أن ممارسة الرياضة هو الحل الوحيد لهذه المشكلة، هو خطأ من الناحية العلمية، و الدراسات العلمية على خلافه، و هو نوع من التضليل و الخداع من ناحية أخرى.
- أن ممارسة النساء للرياضة على النمط الرجالي يترتب عليه أضرارا جسدية ونفسية بالغة على المرأة أثبتتها الدراسات العلمية، فضلا عن انه مُناف للفطرة البشرية السوية.
- أن الأعمال المنزلية هي نوع من الرياضة المناسبة التي تستطيع المرأة أن تمارسها في بيتها.
مما سبق يتضح أننا أمام مشكلة بالغة التعقيد وذات تأثيرات خطيرة على الفرد و المجتمع، لا يمكن حلها عبر مبادرات و اجتهادات فردية هنا أو هناك، لذلك فاني اقترح بعض التوصيات:
- إنشاء لجنة عليا لمكافحة السمنة: تضع الخطط و الأهداف لمكافحة السمنة، و تتابع تنفيذ هذه الخطط و تحقيق تلك الأهداف.
- من هذه الأهداف التي ينبغي السعي لتحقيقها:
- العمل على نشر الوعي بين أفراد المجتمع بمخاطر السمنة و مضاعفاتها
الصحية الخطيرة و كيفية نشوئها.
- تعريف المجتمع بالغذاء الصحي الذي ينبغي الحرص على تناوله، وبالمقابل التحذير من العادات الغذائية السيئة التي تساعد على نشوء السمنة.
- التوعية بخطأ بعض العادات والموروثات التي تجعل من السمنة شيئا إيجابيا.
- العمل على توعية المجتمع رجالا ونساء بأهمية ممارسة الرياضة المتناسبة مع العمر والجنس و تهيئة الأماكن الملائمة لذلك.
- التأكيد على أن تأدية المرأة لأعمالها المنزلية هو ممارسة للرياضة، و أن بإمكانها ممارسة أنواع أخرى من الرياضة في بيتها.
- وزارة الصحة و الجهات الصحية الخدمية الأخرى: ينبغي أن تضطلع بدور كبير، توعوي وتثقيفي و علاجي فيما يتعلق بالسمنة، و ذلك من خلال:
- إقامة حلقات التثقيف الصحي عن السمنة في المراكز الصحية والمستشفيات.
- إنشاء و تفعيل عيادات السمنة التي توفر المساعدة لمن أراد التخلص من السمنة، و كذلك منع المضاعفات المرضية الأخرى و علاجها إن و جدت.
- وزارة التربية و التعليم، من خلال:
- إقامة الدورات التثقيفية عن السمنة لمنسوبي الوزارة من معلمين و غيرهم
- توفير الغذاء الصحي في المقاصف و المطاعم.
- نشر الوعي بين الطلاب والطالبات بأهمية الغذاء الصحي و البعد عن تناول الوجبات السريعة و المشروبات الغازية.
- التوعية بخطورة قضاء أوقات طويلة في العاب الكمبيوتر و مشاهدة التلفاز و ما ينتج عنه من أضرار سلوكية و نفسية، و ما يتبعه من خمول في الجسم و ترهل.
- التواصل مع البيت و الأسرة و التوصل إلى السبيل الأمثل لمعالجة السمنة
من خلال التعاون بين البيت والمدرسة.
- التعليم العالي: تضطلع الجامعات بدور مهم و حيوي في مكافحة السمنة، و ذلك من خلال مراكز البحث العلمي، فنحن بحاجة لعمل الدراسات التي ترصد:
- العلاقة بين نشوء السمنة و المفاهيم الاجتماعية و الثقافية.
- الآثار الاجتماعية و السلوكية و النفسية التي تترتب على نشوء السمنة.
- الآثار الاقتصادية الهائلة، المباشرة و غير المباشرة، لمشكلة السمنة.
- الهيئة السعودية للتخصصات الصحية: لها دور مهم ينبغي أن تقوم به:
- إقامة المؤتمرات العلمية و حلقات النقاش و ورش العمل التي تعالج مشكلة السمنة و انتشارها معالجة شاملة.
- إقامة دورات دراسية متخصصة بداء السمنة، و منح شهادات معترف بها علميا للحاضرين.
- العمل على إنشاء دبلوم مستقل لدراسة السمنة، أو إدخالها كتخصص فرعي في إحدى التخصصات الطبية الرئيسية.
- الإعلام بوسائله المختلفة، المرئية و المسموعة و المقرؤة، يضطلع بدور كبير و خطير في نشر التوعية بالسمنة و مخاطرها و كيفية الوقاية منها،فينبغي أن يقوم بهذا الدور على أكمل وجه، فإعلام أي امة هو ضميرها الحي و هو مرآتها التي تعكس أولوياتها و اهتماماتها، فينبغي أن يكف إعلامنا عن تشويه الحقيقة و تزييفها و اختزالها في جوانب ضيقة لخدمة أهداف مشبوه باتت لا تخفى.
وأخيرا، فان هذه الكلمات هي محاولة لتسليط الضوء على مشكلة صحية معقدة ذات أبعاد مختلفة، أرجو أن تجد القبول و التفاعل من المسوؤلين و المعنيين بالأمر...و الله الموفق..
و كتبه: د/ مفلح بن غضبان الرويلي
المراجع:
1- موقع منظمة الصحة العالمية باللغة العربية على الشبكة العنكبوتية على الرابط:
http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs311/ar/index.html
2- موقع منظمة الصحة العالمية باللغة الانجليزية على الرابط:
https://apps.who.int/infobase/report.aspx?rid=118
3- Al- Nozha MM, et al. Obesity in Saudi Arabia.
Saudi Medical Journal 2005; Vol. 26 (5): 824-829
4- Al-Baghli NA, et al. Overweight and obesity in the eastern province of Saudi Arabia. Saudi Medical Journal 2008; Vol. 29 (9): 1319-1325
5- Al-Qahtani DA, et al. Obesity and cardiovascular risk factors in Saudi adult soldiers. Saudi Medical Journal 2005; Vol. 26 (8): 1260-1268
6- Al-Gelban KS, et al. Dietary habits and exercise practices among the students of a Saudi Teachers’ Training College. Saudi Medical Journal 2008; Vol. 29 (5): 754-759.
7- Al-Rukban MO. Obesity among Saudi male adolescents in Riyadh, Saudi Arabia. Saudi Medical Journal 2003; Vol. 24 (1): 27-33
8- Al-Almaie SM. Prevalence of obesity and overweight among Saudi adolescents in Eastern Saudi Arabia. Saudi Medical Journal 2005; Vol. 26 (4): 607-611
9- Alam AA. Obesity among female school children in North West Riyadh in relation to affluent lifestyle. Saudi Medical Journal 2008; Vol. 29 (8): 1139-1144
10- Al-Hazzaa HM. Prevalence and trends in obesity among school boys in Central Saudi Arabia between 1988 and 2005. Saudi Medical Journal 2007; Vol. 28 (10): 1569-1574
11،12- موقع منظمة الصحة العالمية على الرابط:
http://www.who.int/dietphysicalactivity/publications/facts/obesity/en/
13- موقع منظمة الصحة العالمية باللغة العربية على الشبكة العنكبوتية على الرابط:
http://www.who.int/mediacentre/factsheets/fs311/ar/index.html
14- Al-Quaiz AM. Current concepts in the management of obesity. An evidenced based review. Saudi Medical Journal 2001; Vol. 22 (3): 205-210
15- PHYSICAL INACTIVITY A LEADING CAUSE OF DISEASE AND DISABILITY, WARNS WHO. Saudi Medical Journal 2002; Vol. 23 (10): 1299-1299
16- Al-Rafaee SA and Al-Hazzaa HM. Physical activity profile of adult males in Riyadh City. Saudi Medical Journal 2001; Vol. 22 (9): 784-789
17- Al-Nozha MM, et al. Prevalence of physical activity and inactivity among Saudis aged 30-70 years. A population-based cross-sectional study. Saudi Medical Journal 2007; Vol. 28 (4): 559-568
18- Al-Gelban KS, et al. Dietary habits and exercise practices among the students of a Saudi Teachers’ Training College. Saudi Medical Journal 2008; Vol. 29 (5): 754-759.
19- Al-Quaiz AM. Current concepts in the management of obesity. An evidenced based review. Saudi Medical Journal 2001; Vol. 22 (3): 205-210
20- C C Curioni1 and P M Lourenço. Long-term weight loss after diet and exercise: a systematic review. International Journal of Obesity (2005) 29, 1168–1174
21- C L Dunn, et al.The comparative and cumulative effects of a dietary restriction and exercise on weight loss. International Journal of Obesity (2006) 30, 112–121
22- BBC News- Few women doing enough exercise. http://news.bbc.co.uk/2/hi/health/7094936.stm
23, 25- Menstrual Disturbances in Female Athletes.
http://www.ivf.com/amenath.html
24,27- Low Energy Availability in the Female Athlete
http://emedicine.medscape.com/article/312312-overview
26- Prevention of ACL Injuries in Female Athletes through Early Intervention
http://www.thesportjournal.org/article/prevention-acl-injuries-female-athletes-through-early-intervention
28- The Woman's Place is still in the Kitchen
http://www.uis.no/news/article7532-50.html
29- Housework cuts breast cancer risk
http://news.bbc.co.uk/2/hi/6214655.stm
30- Exercise, housework cut uterine cancer risk
http://www.healthlibrary.com/news167.htm
31- Dose-response relationship between physical activity and mental health: the Scottish Health Survey
http://bjsm.bmj.com/content/43/14/1111.abstract?sid=713c846a-df2c-41aa-9e4c-2be7b280e23b