الأحد، 5 أبريل 2009

من أحكام البسملة

*من أحكام البسملة* [الحلقة الثالثة]
قراءة البسملة لغير متطهر
{ معراج عالم محمد إنفاق التيمي }

لا خلاف بين العلماء في أن البسملة من القرآن ([1])،كما أجمعوا على جواز قراءتها للمحدث الحدث الأصغر([2]).
أما الجنب فذهب جمهور العلماء([3]) إلى تحريم قراءتها له على قصد القرآن دون الذكر، إلا في أحد القولين عند المالكية([4])، قالوا: لا يحرم قراءة آية للتعوذ أو الرقية أو الاستدلال على حكم شرعي.
الأدلة والمناقشة:
استدل المالكية على جواز قراءة آية بما يأتي:
1- قالوا إن الغالب من أحوال المسلمين ذكر الله والتعوذ، فكانت به ضرورة إلى ذلك للمشقة في منعه، فاستثنى من المنع كما استثنى المحدث([5]).
2- ولأن ما تعلق بالمنع لحرمة القرآن يجوز أن يخالف منه اليسير الكثير للحاجة، كما أن النبي r نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ثم كتب إليهم } قل يا أهل الكتاب تعالوا ...{ الآية [ آل عمران: 64]([6]).
ونوقش هذا الاستدلال بأن المنع من القراءة لتعظيم القرآن ومحافظة حرمته، وهذا لا يوجب الفصل بين القليل والكثير([7]).
أما قولهم إن في منعه مشقة فلا يسلّم، لأن الجنب يمكنه أن يتطهر ، فلا عذر له في ترك الطهارة([8]).
واستدل الجمهور على أن الجنب ممنوع من قراءة القرآن مطلقاً، بما يأتي:
1- حديث علي t أن النبي r كان يعلمهم القرآن وكان لا يحجزه عن القرآن إلا الجنابة([9]).
2- قوله r للذي سلم عليه ولم يرد عليه السلام " إني كرهت أن أذكر الله على غير طهر" ([10])، ولم يكن r متوضئاً، والقرآن أشرف الذكر([11]).
3- ولأن في منعه من قراءة القرآن حثاً على المبادرة إلى الاغتسال، لأنه إذا علم أنه ممنوع من قراءة القرآن حتى يغتسل، فيكون في ذلك مصلحة([12]).
أما قراءة القرآن للحائض فاختلفوا على قولين:
الأول: يباح للحائض أن تقرأ القرآن، إما مطلقاً، أو إذا خافت النسيان. هذا هو المشهور عند المالكية([13]) وهو اختيار شيخ الإسلام([14]) إلا أنه قيده بخوف النسيان([15])، وهو قول في مذهب الإمام أحمد([16]).واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين([17]) رحمهم الله جميعاً.
الثاني: لا يباح للحائض أن تقرأ القرآن مطلقاً. وبه قال جمهور العلماء منهم الأئمة الثلاثة ([18]) ، والإمام مالك في رواية([19]).
الأدلة والمناقشة:
استدل الجمهور بحديث ابن عمر t عن النبي r قال: " لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن " ([20]).
وأجيب عن الاستدلال بالحديث بأنه حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولم يثبت في منع قراءة الحائض القرآن شيء عن النبي r سوى الحديث المذكور، وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن موسى عن نافع عن ابن عمر. وإسماعيل ما يرويه عن الحجازيين أحاديث ضعيفة([21]).
واستدل المالكية ومن وافقهم بما يأتي:
1- إن الأصل الحل حتى يقوم دليل على المنع، ولم يثبت في منع الحائض من قراءة القرآن حديث صحيح صريح ([22]).
2- قالوا إن الحيض عادة مألوفة تدوم بها الأيام ولا يقدر على رفعه ، فيشق عليها الامتناع من القراءة أياماً تباعاً، فجاز لهذه الضرورة أن يعفى لها عن المنع، كما جاز ذلك للمحدث([23]).
3- إن الله أمر بتلاوة القرآن مطلقاً، وقد أثنى على من يتلو كتابه، فمن أخرج شخصاً عن عبادة الله ، فإننا نطالبه بالدليل، وإذا لم يكن هناك دليل صحيح صريح على المنع، فإنها مأمورة بالقراءة([24]).
الاعتراض والجواب عن ذلك:
فإن قيل بقياس الحائض على الجنب بجامع لزوم الغسل لكل منهما بسبب خارج؟
يجاب عن ذلك بأنه قياس مع الفارق، لأن النساء كنّ يحِضْنَ على عهد رسول الله r ولم يكن ينههنَّ عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههنّ عن الذكر والدعاء، بل أمر الحُيَّض أن يخرجن يوم العيد فيكبرن بتكبير المسلمين، وأمر الحائض أن تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، تُلبِّي وهي حائض، ولذلك بمزدلفة وغير ذلك من المشاعر.
وأما الجنب فلم يأمره أن يشهد العيد، ولا يصلّي ولا أن يقضي شيئاً من المناسك، لأن الجنب يمكنه أن يتطهر، فلا عذر له في ترك الطهارة، بخلاف الحائض فإن حدثها قائم لا يمكنها مع ذلك التطهر([25])، وكذا فإن الحائض مدتها تطول غالباً، والجنب مدته لا تطول، لأنه سوف تأتيه الصلاة ويلزم بالاغتسال([26]).
أما النفساء فحكمها كالحائض خلافاً ومذهباً.
الــراجـــح: من خلال هذه الدراسة يترشح أن الراجح في تلك المسائل كالتالي:
1- يجوز للمحدث الحدث الأصغر قراءة البسملة على وجه القرآن وغيرها من الآيات القرآنية إجماعاً.
2- لا يجوز للجنب قراءة البسملة ولا غيرها من الآيات القرآنية من غير فصل بين اليسير والكثير، لما يأتي:
أ‌- لقوة الأدلة الدالة على المنع، وضعف أدلة الفريق المخالف.
ب - ولأن الجنابة مكتسبة، كما أن بيد الجنب أن يتطهر.
3- يجوز للحائض أن تقرأ البسملة وغيرها من القرآن ما تشاء، لما يأتي:
أ- لعدم وجود نص صحيح صريح دال على منع قراءة الحائض القرآن.
ب- ولأن حدثها قائم بها لا طاقة لها أن تتطهر مع ذلك، كما أن مدته تطول غالباً.
4- يجوز للنفساء قراءة البسملة وغيرها من القرآن قياساً على الحائض بل من باب أولى أن يرخص لها، لأن مدتها أطول من مدة الحيض([27]). والله تعالى أعلم.
[1] - انظر: المجموع للنووي 3/281، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 22/438، تفسير ابن كثير 1/32، نيل الأوطار2/233.
[2] - انظر: المجموع 1/87، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/461.
[3] - انظر: بدائع الصنائع 1/37، شرح فتح القدير1/167، مختصر الطحاوي ص(18) الإشراف 1/13،عقد الجواهر الثمينة1/67، المجموع 1/179،التهذيب للبغوي1/279، المغني 1/199،الإنصاف2/208،المحرر في الفقه1/27.
[4] - انظر: الإشراف 1/13.
[5] - المرجع السابق نفسه.
[6] - المرجع السابق نفسه.
[7] - انظر: بدائع الصنائع1/37.
[8] - انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460
[9] - رواه الترمذي برقم (146) وقال حديث حسن صحيح ، وأبوداود برقم (229)والنسائي برقم (265) وابن ماجة في الطهارة 1/59 وضعفه الألباني في الإرواءبرقم (485) وفي ضعيف الترمذي(146) وأبي داود(229) وابن ماجة (594) والنسائي(265) وأخرجه الحاكم في الستدرك 1/152وصححه ووافقه الذهبي.
[10] - رواه أبو داود برقم (17) وصححه الألباني في صحيحه (17) والحاكم في المستدرك 1/167وقال: "صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي
[11] - الشرح الممتع 1/290
[12] - المرجع السابق نفسه
[13] - انظر: مختصر الخليل ص (17)، الخرشي 1/173، الإشراف 1/13، عقد الجواهر الثمينة1/67.
[14] - انظر:مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460
[15] - حكاه عنه البهوتي في كشاف القناع 1/177 حيث قال نقلاً عنه: " إنه يباح للحائض أن تقرأه إذا خافت النسيان، بل يجب، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" أهـ.
[16] - انظر:مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460 ، المبدع 1/260
[17] - انظر: مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 17/66، الشرح الممتع 1/291
[18] - انظر: شرح فتح القدير 1/167،البحر الرائق1/209،البناية1/643،التهذيب 1/279،روضة الطالبين1/85،شرح منتهى الإرادات1/105،الإنصاف 2/102
[19] -انظر: الإشراف 1/13
[20] - رواه الترمذي برقم (121) وابن ماجه برقم (595)وقال الألباني في الإرواء (192) " ضعيف " وفي ضعيف سنن الترمذي" منكر"
[21] - انظر:مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460
[22] -انظر: الشرح الممتع 1/291، مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460
[23] -انظر: الإشراف 1/14
[24] -انظر: الشرح الممتع 1/291
[25] - انظر:مجموع فتاوى شيخ الإسلام 21/460-461، مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 17/66
[26] -انظر: الشرح الممتع 1/291
[27] - المرجع السابق نفسه.

هناك تعليق واحد:

  1. جزاكم الله خيرا على هذه الكلمة الطيبة

    ردحذف